المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (3) علائم فاضحة

19

إنّ الحقيقة ليست هكذا، بل الحقيقة: أنّ التصوّف دكّان فتحه أعداء عليّ وأعداء الأئمّة (عليهم السلام) في مقابل ائمتنا المعصومين؛ ذلك أنّ الشيطان لايستطيع أن يُغري ـ ابتداءً ـ كلَّ أحد عن طريق الخمور أو النساء أو الملاهي أو ما إِلى ذلك، فلربّ إنسان لا يأنس إلّا بالمسجد، فطريق حرفه عن الحقِّ هو بناء مسجد ضرار، ولربّ إنسان لا يستذوق إلّا العرفان، فطريق حرفه عن جادّة الحقِّ هو اختلاق العرفان الكاذب. ومن نقاط القوّة في ائمتنا (عليهم السلام) الجاذبة للنفوس الطيّبة كان هو العرفان الإلهيّ الشامخ المضيء الذي يشعّ شيء يسير منه فيما وصلنا من اليسير من أدعيتهم وكلماتهم المضيئة والتي أشرنا إِلى نزر منها في النقطة الرابعة، فكان لا بدّ للشيطان أن يفتح دكّاناً في مقابل الائمّة (عليهم السلام) باسم التصوّف، وكان خير مناخ لتأسيس هذا الدكّان هو مناخ غير الشيعة؛ لأنّ الشيعة غالباً كانوا مكتفين بالأضواء الحقيقيّة التي تشع من أئمّتهم (عليهم السلام)، ولهذا لا ترى أثراً من هذا الدكّان لدى الشيعة في أوائل الأمر، وإنّما انحدر هذا الطريق إليهم واستهوى بعضهم بعد ما تمّ تأسيسه وتشييد بناءه لدى غيرهم.

وبودّي أن اُشير إِلى أنّ ما فرضه صاحب كتاب لبّ اللّباب من انتهاء بعض سلسلة الصوفيّة إِلى معروف الكرخي صاحب الإِمام الرضا (عليه السلام) لم نرَ عليه شاهداً في ترجمته إلّا ادّعاء الصوفيّة أنفسهم لذلك من دون ذكر سند ودليل.

فقد ادّعوا أنّ بعض سلاسلهم تنتهي إِلى معروف الكرخي، ومنه إِلى الإِمام الرضا(عليه السلام)، ومنه إِلى آبائه (عليهم السلام) إِلى علي (عليه السلام)، ويسمّون هذه السلسلة بالسلسلة الذهبيّة، ونحن لا نعلم هل حقّاً كان معروف الكرخي من الصوفيّة أولا؟

نعم، رُوِيَ عنه: أنّه قال للإِمام الصادق (عليه السلام): «أوصني يابن رسول الله، فقال: أقلل معارفك، قال: زدني قال: انكر من عرفت منهم»(1).

وهذا الحديث يناسب ذوق المتصوّفة، إلّا أنّ ذلك لا ينسجم مع ما ورد في ترجمته: من أنّه أسلم في صباه على يد الإِمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).


(1) مجمع البحرين في ذيل مادة (عرف).