المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

7

ثُمَّ علّم الله نبيّه كيف ينفق؛ وذلك أنّه كان عنده أوقية من ذهب فَكَرِه أن تبيت عنده، فصدّق، وأصبح ليس لديه شيء وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيماً رفيقاً، فأدّب الله نبيّه بأمره إيّاه فقال: ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إِلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا﴾(1).

يقول: إنّ الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد حسرت من المال.

فهذه أحاديث رسول الله يصدّقها الكتاب، والكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين.

وقال أبو بكر(2) عند موته: أُوصي بالخمس والخمس كثير، فإنّ الله قد رضي بالخمس، فأَوصى بالخمس، وقد جعل الله له الثلث عند موته، ولو علم أنّ الثلث خير له أَوصى به.

ثُمَّ من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذرّ:

فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضره عطاؤه من قابل، فقيل له: يا أبا عبدالله أنت في زهدك تصنع هذا؟! وإنّك لا تدري لعلك تموت اليوم أو غداً. وكان جوابه: أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليَّ الفناء؟! أومَا علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث(3) على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت.

فأمّا أبو ذرّ فكانت له نويقات(4) وشويهات(5) يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، أو نزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشاء على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم(6). فيقسّمه بينهم، ويأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم.


(1) السورة 17، الإسراء، الآية: 29.
(2) كأنّ هذا احتجاج معهم بأبي بكر باعتبارهم من السُنّة.
(3) أي: تلتفّ بصاحبها وتوسوسها.
(4) جمع نويقة مصغّر ناقة.
(5) جمع شويهة مصغّر شاة.
(6) فسّر تحت الخط بشهوة اللحم والميل المفرط بأكله.