المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

6

فأمّا ما ذكرتم من إخبار الله إيّانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحاً جائزاً، ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على الله؛ وذلك أنّ الله ـ جلَّ وتقدّس ـ أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخاً لفعلهم، وكان نهي الله ـتبارك وتعالى ـ رحمة للمؤمنين ونظراً؛ لكي لا يضرّوا بأنفسهم وعيالاتهم منهم الضعفة الصغار، والولدان، والشيخ الفانِ، والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع، فإن تصدّقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعاً.

فمن ثمَّ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه، ثمّ الثانية على نفسه وعياله، ثمّ الثالثة القرابة وإخوانه المؤمنين، ثمّ الرابعة على جيرانه الفقراء، ثمّ الخامسة في سبيل الله، وهو أخسّها أجراً».

وقال النبي (صلى الله عليه و آله) للأنصاريّ حيث أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق، ولم يكن يملك غيرهم، وله أولاد صغار: «لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين، ترك صبية صغاراً يتكففون الناس». ثمّ قال: حدّثني أبي أنّ النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى».

ثُمَّ هذا ما نطق به الكتاب ـ ردّاً لقولكم ونهياً عنه ـ مفروض من الله العزيز الحكيم، قال: ﴿والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما﴾(1)أفلا ترون أن الله ـ تبارك وتعالى ـ قال غير ما أراكم تدعون [الناس إليه من الأثَرَة على أنفسهم وسمّى مَن فَعَل ما تدعون](2) إليه مسرفاً، وفي غير آية من كتاب الله يقول: ﴿... إنه لا يحب المسرفين﴾(3) فنهاهم عن الإسراف، ونهاهم عن التقتير، لكن أمر بين الأمرين: لا يعطي جميع ما عنده، ثُمّ يدعو الله أن يرزقه، فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي (صلى الله عليه و آله): «إنّ أصنافاً من أُمّتي لا يستجاب دعاؤهم: رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في البيت يقول: يا ربّ ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق، فيقول الله ـ جلّ وعزّ ـ: عبدي ألم أجعل لك السبيل إِلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة؟ فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري، ولكي لا تكون كَلاًّ على أهلك، فإن شئت رزقتك، وإن شئت قترت عليك وأنت معذور عندي، ورجل رزقه الله مالاً كثيراً، فأنفقه، ثمَّ أقبل يدعو يا ربّ ارزقني، فيقول الله: ألم أرزقك رزقاً واسعاً؟! أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك، ولم تسرف كما نهيتك. ورجل يدعو في قطيعة رحم».


(1) السورة 25، الفرقان، الآية: 67.
(2) ورد في البحار هنا تحت الخط: أن ما بين العلامتين ساقط من نسخة التحف والكمباني أضفناه من نسخة الكافي.
(3) السورة 6، الأنعام، الآية: 141، والسورة 7، الأعراف، الآية: 31.