المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

5

فقال له: اسمع منّي وعِ ما أقول لك، فإنّه خير لك عاجلاً وآجلاً إن كنت أنت متّ على السنّة والحقّ، ولم تمت على بِدْعة: أُخبرك أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان في زمان مقفر جَشِب، فإذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنها لا منافقوها، ومسلموها لا كفّارها، فما أنكرت يا ثوريّ؟ فوالله إنّي لمع ما ترى ما أتى عليَّ مذ عقلتُ صباح ولامساء ولله في مالي حقّ أمرني أن أضعه موضعاً إلّا وضعته.

فقال: ثمَّ أتاه قومه ممّن يظهر التزهّد، ويدعون الناس أن يكونوا معهم مثل الذي هم عليه من التقشّف، فقالوا: إنّ صاحبنا حَصِرَ عن كلامك، ولم تحضره حجة(1).

فقال لهم: هاتوا حججكم. فقالوا: إنّ حججنا من كتاب الله. قال لهم: فأدلوا بها، فإنّها أحقّ ما اتُّبع وعمل به.

فقالوا: يقول الله تبارك وتعالى يخبر عن قوم من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله): ﴿...ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون﴾(2). فمدح فعلهم، وقال: في موضع آخر ﴿ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا﴾(3) فنحن نكتفي بهذا.

فقال رجل من الجلساء: إنّا ما رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيّبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تتمتّعوا أنتم منها.

فقال له أبو عبدالله (عليه السلام): دعوا عنكم مالا ينتفع به(4).

أخبروني أيّها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك من هذه الأُمّة؟ فقالوا له: أو بعضه فأمّا كله فلا. فقال لهم: من هنا أُتيتم، وكذلك أحاديث رسول الله (صلى الله عليه و آله).


(1) أي: أنّ سفيان الثوري لم تحضره الحجة فعجز عن الجواب، ونحن لدينا الحجة، ومستعدون للاحتجاج عليك بها.
(2) السورة 59، الحشر، الآية: 9.
(3) السورة 76، الدهر، الآية:..
(4) كأنّه خطاب للرجل المعترض عليهم، أي: اتركوا الجدال في أنّهم هل يعملون بما يقولون أو لا؛ كي ننشغل بالبحث عن أصل صحة ما يقولون وفساده.