المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

2

قال الله تعالى: ﴿ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم...﴾(1). فذيل الآية يشير إِلى وجه السجود الخاص بآدم أو بالمعصومين، لأنّه أو لأنّهم الفرد الكامل في الخلافة المشتملة على ولاية الطاعة. وقد ورد عن الرضا(عليه السلام): «كان سجودهم لله ـ تعالى ـ عبوديّة، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه»(2). وصدر الآية يشير إِلى وجه السجود العام؛ إذ دلَّ على أنّ خلق آدم كان خلقاً لكم أيُّها البشر، وتصويره كان تصويراً لكم، فالسجود له كان سجوداً لكم. وسجود الملائكة للإنسانيّة فيه إشارة عظيمة إِلى عظمة الإنسان الكامنة في امتيازه عن الملائكة، وكان امتياز الإنسان فيما له من الخلافة. وليس المقصود بخلافة الإنسان أن يكون بكلِّ أفراده وليّاً واجب الطاعة، بل المقصود: أنّ الإنسان بكلِّ أفراده يخلف المنوب عنه في رعايته للمخلف فيه، والمخلف فيه هو الأرض وما على الأرض.

فليس معنى ﴿جاعل في الأرض خليفة﴾ كون مهبط الخليفة هو الأرض فحسب من دون أن تكون الخلافة على الأرض، بل معناه: أنّه في الأرض، وأنّه خليفة على الأرض، فعليه أن يستعمر الأرض ويستثمرها، ويرعى ما عليها ومَنْ عليها كلّ بمستواه، وطبعاً مستوى المعصومين هو الخلافة المشتملة على ولاية الطاعة. وقد ورد في الحديث: «مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم»(3). وورد: «لا رهبانيّة في الإسلام»(4).

ورسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يربِّ أصحابه على الانفصال عن العمل السياسي الاجتماعي دائماً أو ردحاً من الزمن، بل زجّهم ـمن أوّل زمن شوكة الإسلام ـ في الحروب والأعمال السياسيّة، وكانت الخلوة مع الله ثابتة بينهم بشكل موزّع على أيام العمر، وكان هو وطائفة من الذين معه يقومون بالعبادة في جوف اللّيل الغابر.

هذا، والعزوف عن الحياة الاعتياديّة والترهبن والتعمد في ترك اللّذائذ المحلّلة ـ أيضاً ـ أمر مرغوب عنه في الإسلام.


(1) السورة 7، الأعراف، الآية: 11.
(2) تفسير «نمونه» 1/183.
(3) راجع الوسائل 16/336 ـ 337، الباب 18 من أبواب فعل المعروف.
(4) سفينة البحار 3/428، مادة (رهب).