المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

14

1 ـ زهير بن القين كان يمتنع عن منازلة الحسين (عليه السلام) في الطريق، فنزل في منزل لم يجد بدّاً من أن ينازله، فبينما هو وأصحابه جلوس يتغذّون إذ أقبل رسول الحسين (عليه السلام) حتى سلّم ثُمَّ دخل، فقال: يا زهير بن القين إنَّ أبا عبدالله الحسين بعثني إليك لتأتيه، فطرح كلُّ إنسان منهم ما في يده حتى كأنّ على رؤوسهم الطير. فقالت له امرأته: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! لو تأتيه فسمعتَ كلامه، ثُمّ انصرفت. فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقلِه ومتاعه فقوّض وحمل إِلى الحسين (عليه السلام)، ثمّ قال لامرأته: أنت طالق، الحقي بأهلك فإنّي لا أُحبّ أن يصيبك بسببي إلّا خير، وقد عزمتُ على صحبة الحسين لأُفديه بروحي وأقيه بنفسي، ثُمّ أعطاها مالها، وسلّمها إِلى بعض بني عمّها ليوصلها إِلى أهلها، فقامت إليه، وبكت، وودّعته، وقالت: خار الله لك، أسألك أن تذكرني في يوم القيامة عند جدّ الحسين(عليه السلام). ثُمّ قال لأصحابه: مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فهو آخر العهد، إنّي سأحدّثكم حديثاً: إنّا غزونا البحر ففتح الله علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّد (صلى الله عليه و آله) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه ممّا أصبتم اليوم من الغنائم، فأمّا أنا فأستودعكم الله. قالوا: ثُمّ والله مازال في القوم مع الحسين حتى قُتِلَ (رحمه الله) (1).

هكذا يعلّم الإسلام الإنسان درس التضحية والفداء بمحض اختياره وتمام إرادته، لا الذبح بيد شخص آخر على رغم عدم طوعه ورغبته، فهذا الذي كان أبغض شيء عليه منازلة الحسين (عليه السلام) آل أمره إِلى أن قال للحسين (عليه السلام) حينما رفع بيعته عن أصحابه ليلة العاشر من المحرّم: والله لوددت أنّي قتلت ثُمّ نُشرت، ثُمّ قتلت حتى أُقتل هكذا ألف مرّة وإنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك(2).


(1) البحار 44. 371 ـ 372. أمّا ماجاء فيه من كلمة (إنّا غزونا البحر) فيبدو أنّه قد ورد في بعض نسخ التاريخ: (إنّا غزونا البحر من بلاد الخزر)، وفي بعض نسخ التاريخ: (إنّا غزونا بلنجر من بلاد الخزر). راجع بهذا الصدد الدوافع الذاتيّة لأنصار الحسين تأليف محمّد علي عابدين: 155... وقد ورد في كتاب معالم المدرستين للسيد العسكري حفظه الله المجلد الثالث: 79 حسب الطبعة الرابعة: (غزونا بلنجر، ففتح الله علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي: أفرحتم...). وقد نقل الرواية عن الطبري:. / 224 ـ 225، وقال تحت الخط: سلمان المذكور هو ابن ربيعة الباهلي، أرسله الخليفة عثمان لغزو اران من آذربايجان، ففتح كورها صلحاً وحرباً، وقتل خلف نهر بلنجر. فتوح البلدان: ص240 ـ 241. وراجع ترجمته في أُسد الغابة: 2/225. انتهى مافي تحت الخط من كتاب السيد العسكري حفظه الله.
(2) البحار 44/393.