المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

12

وحينما وجب الجهاد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح الاتيان بذلك جزءاً من مفاد قوله تعالى: ﴿... عليكم أنفسكم...﴾؛ لأنّ ترك ذاك الواجب يضرّ بأنفسنا.

ولو صحّ ما يقوله بعض المنحرفين: من أن الإنسان يصل بتهذيب النفس والتجرد عن سُمك المادّة إِلى حدّ يذوب ذوباناً حقيقيّاً في الله، فلا يبقى إلّا الله نفسه، لكان كلا النقصين اللذين أشرنا إليهما في النفس البشريّة يرتفعان بذلك؛ لأنّه كان هو الله سبحانه وتعالى، وصحّ له أن يقول: ليس في جبّتي إلّا الله.

ولو كان كلامهم هذا جدّياً وعلى نحو الاعتقاد لا الكذب والدجل، كان جوابه الفلسفي: أنّنا لو آمنّا بإنّه ليس في الوجود إلّا الله، وأنكرنا أيَّ وجود آخر حتى الوجود التعلقي، فهذا المقام ثابت للإنسان، بل لأيّ موجود قبل تهذيب النفس والتزكيّة؛ لأنّه أمر واقعي وأساسي منذ البدء، والتعبير بالإنسان أو بأي موجود ليس إلّا تعبيراً اعتبارياً وعلى أساس ضيق التعابير. ولو لم نؤمن بذلك فالذوبان الحقيقي مستحيل، وتهذيب النفس لا يؤدي إِلى ذلك حتى لو فُرِضَ التجرد عن المادّة حقيقة قبل الموت، أو وصلنا إِلى الموت الإرادي وافترضنا أنّه يساوق التجرد عن المادة؛ فإنّ النقص البشري ليس فقط في الجانب المادي حتى يُفترض أن التخلص عن هذه المادّة والتجرد الحقيقي عنها ـ لو أمكن ـ لايُبقي فرقاً بينه وبين الله ويكون هو هو، بل الجانب المجرد من الإنسان ـأيضاًـ مشتمل على الحدّ الماهوي ونقص الإمكان والحدوث والتعلق وسائر النقائص التي هي ذاتيةله، فلا معنى لفرض التجرد عنها.

والصحيح: هو ضرورة علاج كلا النقصين اللذين أشرنا اليهما بقدر الإمكان، وهما: حجاب سُمك المادّة فيمقابل المعنويات، وضيق الأُفق في مقابل الآخرين. وهذان المنهجان ـ أعني: منهج ترقيق حجاب المادّة والالتذاذ بالمعنويات، ومنهج توسيع الأُفق الضيّق الذي حصرنا في الاهتمام بالتذاذ أنفسنا ولو التذاذاً معنوياً ـ لو لم يعمد إِلى الفصل بينهما فهما بحد ذاتهما وفيما بينهما متفاعلان.

وقد ورد في الحديث عن الصادق (عليه السلام): «خصلتان مَنْ كانتا فيه وإلّا فأعزب ثُمّ أعزب ثُمّ أعزب، قيل: وماهما؟ قال: الصلاة في مواقيتها والمحافظة عليها، والمواساة»(1).


(1) البحار 83/12.