المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

1

تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من الضروريات التأكيد على العمل الاجتماعي مع الناس ومع الطبيعة، وعدم الابتعاد عن العمل السياسي، وعدم التنافي ذلك كله لتهذيب النفس و تزكيتها، بل إنّ هذا أيضاً عامل من عوامل التهذيب والتزكية، فالمألوف الغالب في وضع الصوفيّة إبعاد الناس الذين يفتتنون بهم عن العمل السياسي الاجتماعي. وقد يدّعى أنّ تزكية النفس بحاجة إِلى الاختلاء والابتعاد عن وضع المجتمع.

ونحن نقول: صحيح أنّ تربية النفس لا تستغني عن نوع من الاختلاء بالله، وهو أمر مرغوب فيه شرعاً، إلّا أنّ الشريعة أمرت بتوزيع هذا الاختلاء على تمام العمر يوماً فيوماً بتخصيص ساعة للاختلاء، وأفضل الساعات لذلك هو جوف اللَّيل الغابر ﴿إن ناشئة اللَّيل هي أشدّ وطأً وأقوم قيلاً. إن لك في النهار سبحاً طويلا﴾(1). فالنهار يناسب السبح في المجتمع وفي مسرح الحياة وفي الأعمال الدنيويّة والأُخرويّة، وغابر الليل يناسب الخلوة مع الله سبحانه وتعالى. وهذا معنى توزيع الخلوات على تمام أيام العمر من دون الانقطاع عن الأعمال الاجتماعيّة والسياسيّة، وكشف منابع الطبيعة ونعمها واستثمارها. أمّا الانصراف تمام العمر أو ردحاً من الزمن عن العمل السياسي الاجتماعي وبحُجّة تزكية النفس أو بأيّة حُجّة أُخرى، فهذا ليس من دأب الإسلام، وهذا خلاف العمل بخلافة الله على وجه الأرض.

قال الله تعالى: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة﴾(2).

والمقصود بالخلافة: الخلافة عن الله لا الخلافة عن إنسان قديم، فإنّ الَمخلف عنه لو كان غير المتكلّم لوجب التنبيه عليه.

والمقصود بالخليفة: الإنسانيّة بالذات لا شخص آدم (عليه السلام) وأكبر الظن أنّ هذا هو الذي أثار مخاوف الملائكة ﴿قالوا أتجعلَ فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك...﴾(3). أمّا شخص آدم (عليه السلام) فلم يكن يثير تخوّفاً في نفوس الملائكة. والسجود وإن كان بوجهه الخاص لآدم (عليه السلام) أو للإنسانية المعصومة وللمعصومين في صلب آدم (عليه السلام)، ولكنّه بوجهه العام كان سجوداً للإنسانيّة.


(1) السورة 73، المزمّل، الآيتان:. ـ 7.
(2) السورة 2، البقرة، الآية: 30.
(3) السورة 2، البقرة، الآية: 30.