المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

3

الأَمر الأوَّل: التضرُّع إِلى الله سبحانه وتعالى وطلب حسن العاقبة منه، كما يشهد لذلك ما ورد بشأن أَحمد بن هلال العبرتائي(1) الذي كان صالحاً في أوَّل أمره، وقد حجَّ أربعاً وخمسين حِجَّة، عشرون منها على قدميه، وكان رواة أصحابنا بالعراق قد لقوه وكتبوا منه، ثُمَّ خرج ذمُّه من قبل إِمامنا أَبي محمّد العسكري سلام الله عليه، وكتب (عليه السلام) إِلى قوَّامه بالعراق: «إحذروا الصوفيَّ المتصنِّع» فأنكر رواة أصحابنا في العراق ماورد بذمِّه، فحملوا القاسم بن علاء على أَن يراجع في أَمره، فخرج مرَّة أُخرى ذمُّه والتبرِّي منه، فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه، فخرج: «لا شكر الله قدره، لم يدعُ المرء ربَّه بأَن لايزيغ قلبه بعد أَن هداه، وأَن يجعل ما منَّ به عليه مُستقرّاً ولا يجعله مُسْتَوْدعاً...».

والأمر الثاني: أَن يعمد الإنسان إِلى عدم خروج النكتة السوداء في قلبه؛ وذلك بترك الذنب. ولو خرجت يعمد إِلى علاجها ومحوها بالتوبة قبل أَن تتَّسع، فإِنَّ في سَعتها خطرَ استيعاب السواد للقلب، وسقوط الإنسان إِلى ما لا رجعة له منه، كما ورد في الحديث عن أَبي بصير قال: سمعت أَبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «إِذا أَذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإِن تاب انمحت، وإِن زاد زادت حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أَبداً»(2).

وورد عن زرارة، عن أَبي جعفر (عليه السلام)(3) قال: «ما من عبد إِلاَّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإِذا أَذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإِن تاب ذهب ذلك السواد، وإِن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطِّي البياض، فإِذا غطَّى البياض لم يرجع صاحبه إِلى خير أَبداً، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾(4)».

وقد ورد عن أَبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: كتب الصادق (عليه السلام) إِلى بعض الناس: «إِن أَردت أَن يُختمَ بخير عملك حتى تُقبض وأَنت في أَحسن الأَعمال، فعظِّم لله حقَّه، أَن تبذل نعمائه في معاصيه، وأَن تغترَّ بحلمه عنك، وأَكرمْ كلَّ مَنْ وجدته يذكرنا أَو ينتحل مودَّتنا، ثُمَّ ليس عليك صادقاً كان أَو كاذباً، إِنَّما لك نيَّتك وعليه كذبه»(5).


(1) راجع معجم رجال الحديث 2/356.
(2) الوسائل 15: 302، الباب 40 من جهاد النفس، الحديث 12.
(3) نفس المصدر السابق 15: 303، الحديث 16.
(4) السورة 83، المطففين، الآية: 14.(5) البحار 78: 195.