المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

16

ومن يبدأ القراءة في الصلاة بالاستعانة بالله الرحمن الرحيم، ويعترف بأنّه تعالى مالك يوم الدين، ويحصر العبادة والاستعانة بالله تعالى، كيف يتخذ بعد ذلك إلههُ هواه، ويستعين بنعم الله ـ تعالى ـ على معصيته؟ !

ورابعاً ـ الركوع والسجود:

وقد قالوا عنهما: إنّهما عبادة ذاتيّة؛ لأنّ العبادة تذلّل، والتذلّل بالعبائر إنّما تكون بمعانيها اللُغويّة التي تختلف من لغة إِلى لغة ومن قوم إِلى قوم، في حين أنّ دلالة الركوع والسجود على التذلّل دلالة عالمية أجمع عليها كلّ الملل وكلّ اللغات، فكأنّ دلالتها على ذلك ذاتية، ومن يتذلّل لله بهكذا تذلّل بمحض اختياره ومن دون أيّ إجبار؛ لأنّ «... اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولاعمل»(1) كيف يعارض الله ـ تعالى ـ بعد ذلك بمعصيته؟!

إِلى هنا تكلّمنا حول تفسير قوله سبحانه وتعالى: ﴿ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...﴾(2). ولا بأس بتكميل البحث بحديث مختصر عن ذيل الآية، وهو قوله تعالى: ﴿ولذكر الله أكبر...﴾ وفيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل ـ أن يكون المقصود بالذكر ذكر العبد لله تعالى. ويؤيد هذا الاحتمال ما ورد في تفسير الذكر في هذه الآية المباركة عن الصادق (عليه السلام) من قوله: «ذكر الله عندما أحلّ وحرّم»(3). وليس معنى الآية على هذا الاحتمال: أنّ ذكر الله أكبر من الصلاة، وذلك لوضوح أنَّ الصلاة من أبرز مصاديق الذكر وأكملها، بل كأنّ معناها: إمّا هو تعليلٌ لنهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر: بأنّ ذكر الله أكبر من كل ما يكون قابلاً للنهي عن الفحشاء والمنكر، أي: بما أنّ الصلاة تكون أبرز أنحاء الذكر وأتمّها وأكملها فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإمّا هو بيان لكون ذكر الله ـ ومن أتمّها وأكملها الصلاة ـ أكبر من كلّ اللّذائذ والتي منها لذّة النفس الأمّارة، وهي لذّة الفحشاء والمنكر(4).

والاحتمال الثاني ـ أن يكون المقصود بالذكر ذكر الله للعبد، فيكون معنى الآية: أنّ ذكر الله لعبده أكبر من ذكر العبد لله.

قال الله تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم...﴾(5). ويؤيد هذا الاحتمال ما ورد عن الإِمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ولذكر الله اكبر...﴾ أنه يعني: « ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إيّاه، ألا ترى أنّه يقول: ﴿اذكروني أذكركم...﴾(6) ».


(1) نهج البلاغة: 80، رقم الخطبة: 42.
(2) السورة 29، العنكبوت، الآية: 45.
(3) التفسير الأمثل 12: 369.
(4) راجع بهذا الصدد رسالة السير والسلوك المنسوب إِلى السيد بحر العلوم مع تعليق السيد محمّد حسين الطهراني: 122 ـ 123.
(5) السورة 2، البقرة، الآية: 152.
(6) البحار 82: 207.