المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

15

فأوَّلاً ـ استقبال الكعبة:

إنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ موجود في كلّ مكان، ونسبة جهة الكعبة وما يعاكسها إليه سواه ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمَّ وجه الله...﴾(1)، ولكن الإسلام أراد للإنسان اتجاهاً حسّياً لدى إرادة الاتجاه إِلى الله، باعتبار أنّ الإنسان خُلِق حسّياً أكثر من كونه عقليّاً، فجعل الكعبة رمزاً لبيت الله، وأمرنا بالتوجه إِلى جهة المسجد الحرام بقوله تعالى: ﴿... وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره...﴾(2)، أفيكون من وظيفتنا في الصلاة توجه الجسم إِلى ما جعل رمزاً لبيت الله، ولا يكون من وظيفتنا توجه القلب في الصلاة إِلى الله سبحانه والذي به تتمّ روح العبادة؟!

وثانياً ـ التكبير:

لئن كبّرنا ـ حقاً ـ متوجهين إِلى مغزى التكبير، وقاصدين معناه، ومؤمنين بأنّ الله أكبر من كلّ شيء، أفهل يُعقل أن نعصي الله، ونتجه إِلى غيره من هدف صغير أو كبير ممّا هو لا شيء بالقياس إِلى الله سبحانه وتعالى؟ !

وثالثاً ـ سورة الفاتحة:

وليست هي أوَّل سورة نزلت من القرآن، فعجباً لماذا أصبحت فاتحةً للكتاب؟! أفلا يرمز ذلك إِلى عظمة هذه السورة المباركة، ولقد فُسِّر السبع المثاني بهذه السورة، وجُعِل السبع المثاني في عرض تمام القرآن في قوله تعالى: ﴿ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم﴾(3). وفي الحديث عن علي (عليه السلام) قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: إنّ الله ـ تعالى ـ قال لي: يا محمّد ﴿ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم﴾، فأفرد الامتنان عليَّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم. وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش...»(4).

ولفاتحة الكتاب ميزة لم توجد في أيّة سورة أُخرى من سور القرآن، وهي: أنّ جميع سور القرآن لسانها لسان مخاطبة الله سبحانه وتعالى للناس، ماعدا هذه السورة المباركة التي كان لسانها من أوّلها إِلى آخرها لسان مخاطبة العبد لله سبحانه وتعالى(5).. ولعلّ هذا هو السرّ في أنّه لا تخلو صلاة منها، ولاصلاة إلّا بفاتحة الكتاب(6). ولعلَّ هذا هو السرّ أو أحد الأسرار في جعل هذه السورة أوّل سورة من القرآن برغم نزولها المتأخّر.


(1) السورة 2، البقرة، الآية: 115.
(2) السورة 2، البقرة، الآيتان: 144 و 150.
(3) السورة 15، الحجر، الآية: 87.
(4) تفسير البرهان: 1: 41.
(5) التفسير الأمثل 1: 2.
(6) راجع الوسائل 6: 37 ـ 39، الباب. من أبواب القراءة في الصلاة.