المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

9

وهناك وجهة نظر تقول: نعم، الإمضاء يشمل الارتكاز العقلائيّ بعرضه العريض، ولا يختصّ بالمقدار المترجم بالعمل، وذلك لأنّ شأن الشارع ليس مجرّد تصحيح العمل الفعليّ للمسلمين، بل هو تصحيح عملهم ومفاهيمهم ومرتكزاتهم التي يؤمنون بها في شؤون القضايا التي تمسّ التشريع، فسكوت الشارع عنها يدلّ على إمضائها بعرضها الواسع.

وبناءً على هذا نقول فيما نحن فيه: إنّ أصل الملكيّة والذمّة والمعاملات وما شابه ذلك هي من الاُمور الارتكازيّة لدى العقلاء، والمعمول بها في زمن المعصوم في حدود الشخصيّات الحقيقيّة بعرضها الواسع وفي حدود الشخصيّات الحقوقيّة في الجملة وفي دائرة ضيّقة، لكن ضيق الدائرة كان نتيجة عدم التعرّف وقتئذ على المصاديق المعاصرة لنا، ولو التفتوا إليها لاعترفوا بها ورتّبوا عليها أحكامها. إذن فأصل الارتكاز يكون أوسع من المقدار المعمول به وقتئذ وسكوت الشارع إمضاء لكلّ دائرة الارتكاز كما هو الحال في مثال مملّكيّة الحيازة تماماً.

إلّا أنّ الصحيح: أنّ قياس ما نحن فيه بمثال مملّكيّة الحيازة قياس مع الفارق. وتوضيح ذلك: أنّ التمسّك بإمضاء ارتكاز عقلائيّ في زمن المعصوم لإثبات الحكم على مصداق جديد في زمننا للكبرى المرتكزة إنّما يعقل فيما إذا كان لدينا حكم مرتكز ولهذا الحكم موضوع كان يتمثّل في بعض مصاديقه في زمن المعصوم ثمّ تمثّل في زمننا في مصداق جديد، وكان هذا المصداق مصداقاً حقيقيّاً وتكوينيّاً لذاك الموضوع وإن لم يوجد مثله في ذاك الزمان.

وهذا من قبيل ما يقال في الحيازة من أنّ المملّكيّة حكم مرتكز في ذهن العقلاء على موضوع الحيازة، وكان المصداق المتواجد في زمن المعصوم هو الحيازة المختصرة باليد أو بالأدوات اليدويّة، وقد وجد بعد ذلك مصداق جديد وهو الحيازة المفصّلة وبالوسائل الحديثة، وهو مصداق حقيقيّ وتكوينيّ للحيازة. فهنا يمكن أن يقال: إنّ الحكم بالمملّكيّة يثبت لهذا المصداق الجديد، لأنّه كامن في الحكم الارتكازيّ الذي كان ثابتاً وقتئذ لدى العقلاء، وكان الضيق في المصداق الخارجيّ لا في الارتكاز.

أمـّا إذا افترضنا أنّه لم يوجد مصداق حقيقيّ جديد لذاك الموضوع، ولكن العقلاء توسّعوا في الحكم إمـّا بمعنى مجرّد التوسّع في نفس الحكم أو بمعنى إيجاد فرد اعتباريّ لذاك الموضوع فهنا لا يمكن إسراء الحكم الممضى عمّا كان في زمن المعصوم إلى المورد.

مثاله: ما لو فرضنا أنّ العقلاء حكموا أخيراً بأنّ من أشعل مصباحاً واتّسع نوره على أجسام كانت من المباحات الأصليّة فقد ملك تلك الأجسام، وذلك إمـّا بمعنى مجرّد توسيع لنطاق التملّك، أو بمعنى فرض وقوع أشعّة المصباح على جسم من الأجسام مصداقاً من مصاديق الحيازة جعلا واعتباراً. فهذا لا يكفي لإثبات حكم الحيازة وهو المملّكيّة على هذا المورد. أمـّا في فرض مجرّد توسيع الحكم فالأمر واضح، لأنّ هذا حكم جديد للعقلاء لم يكن مستبطناً في الارتكاز السابق. وأمـّا في فرض جعل انتشار النور حيازة بالاعتبار فلأنّ روح الاعتبار ـ إذا اُريد له أن يكون أمراً مفيداً عقلائيّاً ـ إنّما هو توسيع الحكم، فهذا أيضاً يعني الحكم الجديد للعقلاء غير المستبطن في الارتكاز السابق.