المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

13

ويرد عليه: أنّ التمسّك بمثل هذه الإطلاقات عند ما يكون الشكّ في التخصيص والتقييد من دون احتمال مخالفة الشرع للعرف في رؤية تشريعيّة تؤثّر في نفي موضوع هذه الإطلاقات صحيح، من قبيل ما لو شككنا في صحّة بيع المصحف من الكافر مثلاً فتمسّكنا بإطلاق ﴿أحَلَّ اللهُ البَيْعَ﴾. أمّا إذا كان الشكّ في الحكم ناتجاً عن احتمال مخالفة الشرع للعرف في رؤية تشريعيّة تقلب موضوع الحكم من قبيل حكم الشرع ببطلان بيع الكلب رغم صحّته عرفاً على أساس اختلاف بين الشرع والعرف في ملكيّة الكلب وعدمها، فالشرع والعرف كلاهما متّفقان على أنّه لا بيع إلّا في ملك، ولكن العرف بما أنّه يرى مملوكيّة الكلب يصحّح بيعه، والشرع بما أنّه يرى عدم قابليّته للملك يبطل البيع، فهذا لا يعدّ تخصيصاً أو تقييداً لـ ﴿أحَلَّ اللهُ البَيْعَ﴾، فإنّ مقصود الشارع من البيع في مثل ﴿أحَلَّ اللهُ البَيْعَ﴾ إنـّما هو ما يكون بيعاً في نظره لا ما يكون بيعاً في نظر العرف وليس بيعاً في نظره، فالتمسّك بالإطلاق في مثل ذلك يكون بحاجة الى إحدى نكتتين:

الاُولى: إثبات الموضوع مسبقاً بالارتكاز مثلاً حتى يتمّ المجال للتمسّك بالإطلاق اللفظي.

والثانية: التمسّك بالإطلاق المقامي بدعوى أنّ الشارع لو كان البيع عنده غير البيع عند العرف لكان عليه البيان، لأنّ الإنسان العرفيّ سيطبّق بطبيعته إطلاقات الشارع على ما لديه من مصاديق ما لم يصله الردع.

والأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ العرف والشرع متّفقان على أنّ البيع لا يكون إلّا فيما بين طرفين، والخلاف المحتمل في المقام هو أن لا يكون الشرع معترفاً بالشخصيّة المعنويّة للشركة مثلاً كي تصبح طرفاً في البيع مثلاً و يكون العرف معترفاً بذلك، فلو قدّر بطلان هذا البيع في نظر الشرع لم يكن ذلك تخصيصاً أو تقييداً في ﴿أحَلَّ اللهُ البَيْعَ﴾ بل كان ذلك ناشئاً من اختلافهما في رؤية تشريعيّة تؤثّر على موضوع الحكم. وهذا علاجه يكون بأحد أمرين كما مضى:

( الأوّل. تصحيح الشخصيّة المعنويّة للشركة بالارتكاز، وهذا رجوع الى الوجه الأوّل الذي عرفت بطلانه. أو تصحيحها بولاية الفقيه، وهذا رجوع الى الوجه الثالث الذي سيأتي بحثه إن شاء الله.

( والثاني. التمسّك بالإطلاق المقاميّ لإثبات مطابقة نظر الشرع لنظر العرف والعقلاء، وهذا إنـّما يتمّ بلحاظ نظر العرف والعقلاء المعاصر لزمان المعصوم، وهذا رجوع مرةً اُخرى الى إثبات سعة دائرة الارتكاز في زمن الإمام الذي عرفت بطلانه.

هذا، مضافاً الى ما عرفت من أنّ كون البيع من الشركة مثلاً بيعاً ليس أمراً عقلائيّاً بحتاً، بل له جنبة تشريع في نظر الفقه المؤمن بهذه الشخصيّات الحقوقيّة راجعة الى الدولة، كما ذكرناه في الإشكال الثاني على الطريق الأوّل.

التمسّك بولاية الفقيه:

الطريق الثالث: هو التمسّك بمبدأ ولاية الفقيه، بأن يفترض أنّ الوليّ الفقيه إذا رأى من المصلحة إمضاء أمثال هذه الشخصيّة الحقوقيّة أمضاها، وحصلت بذلك الشخصيّة الحقوقيّة. وهذا أقرب الى وجهة نظر الفقه الغربي من الوجهين الأوّلين، لما عرفت من أنّ الفقه الغربي يعطي أمر تشريع القوانين المصحّحة للشخصيّات الحقوقيّة بيد الدولة، ورئيس الدولة في رأينا هو الوليّ الفقيه وهو الذي يكون من حقّه تشريع قوانين معيّنة تتمّ على ضوئها الشخصيّات الحقوقيّة ضمن ضوابط وشروط.