المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

12

فلو سلّمنا عدم تعقّل العرف والعقلاء التفكيك بين الحقوق له وعليه فى إنسان انطبق عليه عنوان فامتلك ممتلكات ذاك العنوان بوصفه متلبّساً بذاك اللباس لا نسلّم ذلك في مثل الشركات والجمعيّات والمؤسّسات وما شابه ذلك.

إذن فغاية ما يثبت بعمومات الوقف هو جواز امتلاك أيّ جهة خيريّة لشيء مّا بالوقف، أمّا ثبوت كامل الشخصيّة الحقوقيّة لتلك الجهة لكي تثبت كلّ الأحكام الحقوقيّة لها وعليها فلا.

نعم، يمكن التعدّي من الوقف الذي هو تحبيس لعين خاصّة إلى تمليك الماليّة التي يمكن تبديل تجسّدها من عين إلى عين اُخرى فراراً من مشكلة حرمة تبديل العين الموقوفة، فيجوز للمتولّي البيع والتبديل بما يراه صالحاً في أيّ وقت أراد، وذلك تمسّكاً بإطلاق روايات الصدقة الجارية(1) بدعوى أنّ الجريان ليس مصداقه الوحيد عبارةً عن انحباس العين وتوقيفها عن البيع وهو المصداق الرائج في زمن صدور النصّ، بل له مصداق آخر أيضاً وهو أن يكون المحبوس على المشروع الخيري هو ماليّة الشيء التي يمكن تجسيدها ضمن أعيان مختلفة متعاقبة، لا فرداً معيّناً كي يصبح وقفاً لا يجوز تبديله، فقوام الجريان إنّما هو بالتحبيس وليس بكون المحبوس فرداً معيّناً من العين.

وبهذا البيان تصحّح أمثال الصناديق الخيرية أو تمليك مال لحركة أو حزب أو ما شابه ذلك إن كان أمراً خيرياً يتمشّى فيه قصد القربة، ولا يثبت بهذا كل آثار الشخصيّة الحقوقيّة كصحّة إقراضها أو تمثّلها بالمتولّي كأحد المترافعين لدى القاضي.

إلّا أنّ فهم هذا الإطلاق من روايات الصدقة الجارية يتوقّف على أن لا نحتمل كون انحصار مصداق الصدقة الجارية وقتئذ في مرتكز المتشرّعة في الوقف صالحاً للقرينيّة الموجبة لانصراف إطلاق عنوان الصدقة الجارية إلى الوقف(2)، أمّا إذا احتملنا ذلك فقد بطل الإطلاق.

إلّا أنّ حلّ هذا الإشكال عبارة عن الرجوع إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج(3) الصريحة في جواز شرط الواقف حقّ البيع والتبديل، فيرجع واقع المطلب إلى التصدّق بالماليّة، أو قل: وقف الماليّة القابلة للتجسيد في الأعيان المختلفة.

التمسّك بإطلاقات أدلّة العقود:

الطريق الثاني: التمسّك بمثل إطلاقات ﴿أحَلَّ اللهُ البَيْعَ﴾(4) فيقال مثلا: إنّنا إذا بعنا شيئاً من شركة أو جمعيّة أو مؤسّسة مثلاً أو اشترينا منها شيئاً كان هذا مصداقاً عرفيّاً للبيع والشراء فيدخل في إطلاق ﴿أحَلَّ اللهُ البَيْعَ﴾. وفي بعض الحقوق لهذه الشخصيّة الحقوقيّة أو عليها لو لم نجد إطلاقاً نتمسّك به نرجع الى دعوى عدم احتمال التفكيك والفرق بين الآثار الحقوقيّة، أو الى ما فرضنا في آخر بحثنا عن الطريق الأوّل من ارتكاز عدم التفكيك.


(1) راجع الوسائل 13: 292 ـ 294، الباب. من أبواب الوقف والصدقات.
(2) أي الوقف الذي لا يباع ولا يوهب ولا يبدّل.
(3) راجع الوسائل 19: 199 ـ 200، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث. طبعة آل البيت (عليهم السلام).
(4) البقرة: 275.