المولفات

المؤلفات > تصوّرات عامّة عن الملك

35

بل أنّ مسألة عدم اعتبار الدائن غير مستوف لدَينه في مثال حوالته على ثمن المبيع أيضاً لا تصلح شاهداً على عدم حوالة الحقّ، فإنّه حتّى لو لم يفرض إرجاع الثمن إلى الشخص الثالث حوالة للحقّ بالمعنى الدقيق للكلمة وفرض أنّ واقع المطلب إنهاء دَين المحيل ودَين المحال عليه وإيجاد دَين جديد لصالح المحال فلا شك في أنّ إنهاء دَين المحيل كان مشروطاً بإيجاد الدَين الجديد في صالح المحال المشروط بدوره بثبوت الثمن على المحال عليه، فعدم إمكان نقل ذلك إلى المحال يؤدّي ـ لا محالة ـ إلى رجوع المحال إلى المحيل. إذن فالإفتاء بعدم رجوعه اليه ـ لو تمّ ـ يكون ذلك حياديّاً تجاه مسألتنا، وهي كون المقام من حوالة الحقّ وعدمه.

وبهذا يظهر أنّ الشاهد الثالث أيضاً حياديّ تجاه بحثنا، فإنّ المفروض أن يضمن المحيل الدَين لدائنه عند إعسار المحال عليه على كلّ حال، أي سواء تصوّرنا في المقام حوالة الحقّ أو لا فإنّ الرضا بسقوط دَين المحيل ـ على أيّ حال ـ كان مشروطاً بعدم إعسار المحال عليه. أمـّا إذا لم يكن مشروطاً بذلك فالمفروض سقوط دَينه وعدم الضمان على كلّ حال، فهذه المسألة حياديّة تجاه مسألتنا.

والشاهد الثاني أيضاً لا يكفي في نفي حوالة الحقّ في المقام، لأنّ العذر المانع عن أداء الدَين ليس ارتباطه بالدَين فقط بل له نسبة إلى الدائن أيضاً، إذ قد صار عذراً عن أداء الدَين لهذا الدائن، وعندئذ يجب أن يرى أن نسبته إلى كلا الدائنَين هل هي على حدّ سواء أو أنّ هناك فرقاً بين الدائنَين جعله عذراً تجاه أحدهما دون الآخر؟ فلو أفتى أحد بأنّ المشتري لو ردّ المبيع بعيب لم تبطل الحوالة فلعلّه يعتقد أنّ العيب إنّما يؤثّر في الامتناع تجاه البائع، ولا يؤثّر في الامتناع تجاه إنسان أجنبيّ تعلّق حقّه بسبب الحوالة بالثمن.

ومن هنا يظهر أنّ الشاهد الأوّل أيضاً لا أثر له في المقام، فإنّ التأمينات لها علاقة بالدائن كما لها علاقة بالدَين، فقد يقال: إنّ التأمينات إنّما وضعت لدَين مّا تجاه دائن مّا، فإذا تبدّل الدائن لم يكن من الضروري تحوّل التأمينات إلى الدائن الجديد.

وأمـّا ما استدلّ به على نفي كون ما تعارف ذكره في الفقه الإسلاميّ من الحوالة عبارة عن حوالة الدَين بدقيق معنى الكلمة وهو أيضاً عبارة عن التأمينات بدعوى أنّ التأمينات لا تبقى على حالها لدى تبدّل المدين، وهذا يعني أنّ الدَين السابق انتفى ووجد دَين جديد، إذ لو كان نفس الدَين السابق قد انتقل إلى شخص آخر لكان يحتفظ الدَين بتأميناته.