المولفات

المؤلفات > تصوّرات عامّة عن الملك

30

وبقي القانون الرومانيّ على هذه الحال دون أن يعرف لا حوالة الحقّ ولا حوالة الدَين، وبقيت الحوالة مجهولة مدةً طويلة في القانون الفرنسيّ القديم يتحايلون عليها عن طريق التوكيل بقبض الدَين الذي كان القانون الروماني يلجأ إليه حتى أصبح هذا الطريق مألوفاً، ومنه دخلت حوالة الحقّ في القانون الفرنسيّ القديم، وأصبح مسلّماً في هذا القانون أنّه يجوز للدائن أن يحوّل حقّه إلى دائن آخر دون حاجة إلى الحصول على رضاء المدين بالحوالة، على غرار التوكيل بالقبض الذي أصبح مفترضاً دون نصّ. وهذا بالرغم من أنّ التحليل القانونيّ الدقيق... يستعصي على أن ينتقل الالتزام وهو رابطة شخصيّة من دائن إلى دائن آخر.

وساعد على إمكان انتقال الالتزام من دائن إلى دائن آخر أنّ فكرة الالتزام باعتباره رابطة شخصية أخذت تتطوّر، وأخذ العنصر المادّيّ في الالتزام يبرز شيئاً فشيئاً، فأصبح من السهل أن نتصوّر أنّ الالتزام باعتباره قيمة ماليّة لا باعتباره رابطة شخصيّة، وبالنسبة إلى موضوعه لا بالنسبة إلى أطرافه ينتقل من دائن إلى دائن آخر.

ولكنّ التطوّر في القوانين اللاتينيّة وقف عند هذا الحدّ، ولم يصل القانون الفرنسيّ حتى اليوم إلى تنظيم حوالة الدَين، أي انتقال الالتزام من مدين إلى مدين آخر، وليس هناك سبيل إلى تغيير المدين في الالتزام إلّا عن طريق التجديد أو الإنابة في الوفاء، ذلك أنّ شخصيّة المدين في الالتزام أكبر خطراً من شخصيّة الدائن، فعلى شخصيّة المدين ومقدار يساره وحُسن استعداده للوفاء بدَينه تتوقّف قيمة الدَين، فلم يكن من السهل التسليم بتحويل الالتزام من مدين إلى مدين آخر دون أن يكون الدائن طرفاً في هذا التحويل عن طريق التجديد، لأنّ الدائن يأبى أن يتغيّر عليه المدين من دون رضائه، ويعنيه من تغيير مدينه ما لا يعني المدين من تغيير دائنه، فبقيت القوانين اللاتينيّة عند هذه المرحلة من التطوّر لم تستكمله إلى غايته، وذلك مع استثناء التقنين المدني الإيطالي الجديد، فقد أقرّ حوالة الدَين عند الكلام في الإنابة في الوفاء....

أمـّا التقنينات الجرمانيّة فقد سارت في التطوّر إلى نهاية الطريق، وما دامت فكرة الالتزام قد تطوّرت فأصبح الالتزام قيمة مادّيّة أكثر منه رابطة شخصيّة، وما دام قد أمكن تصوّر انتقال الالتزام من دائن إلى دائن آخر فما الذي يحول دون التسليم بانتقاله من مدين إلى مدين آخر ومن ثمّ يعرف كلّ من التقنين المدنيّ الألمانيّ. م 1414. 1419. وتقنين الالتزامات السويسريّ. م 175. 183. إلى جانب حوالة الحقّ حوالة الدَين(1). هذا ما أردنا نقله هنا من مقاطع من عبائر السنهوريّ بنصّها.


(1) الوسيط 3: 414. 419 الفقرة 237 ـ 239.