المولفات

المؤلفات > تصوّرات عامّة عن الملك

26

اختلاف الذمّة عن العهدة:

والذمّة تختلف عن العهدة، ويظهر من الكلمات المنقولة عن المحقّق النائيني (رحمه الله): أنّ الفرق الجوهري بينهما هو أنّ الأموال الخارجيّة أو أداءها تكون في العهدة لا في الذمّة، والذمّة وعاء للأموال الكلّية فحسب(1).

والواقع أنّ كون العهدة وعاءً لأداء الأموال الخارجيّة صحيح فإنـّها وعاءٌ للتكاليف وما يلزم على الإنسان من أعمال ومنها أداء الأموال الخارجيّة. وأمـّا كون الذمّة وعاءً للأموال الكلّية فايضاً صحيح على أن يكون المقصود به ما جاء في تعابير اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من كونها وعاءً للأموال الرمزية.

هذا وربّما يكون في العهدة أداء مال مّا من دون تعيّن خارجيّ لذاك المال، ولا يكون ذاك المال رغم كلّيّته شاغلا للذمّة كما في نفقة الأقارب الواجبة على الإنسان، فعهدة الإنسان مشغولة بنفقة الأقارب بينما ذمّته غير مشغولة بها، ولا ضمان عليه لو ترك، فلو مات مثلا لم تؤخذ النفقة الماضية التي لم يؤدّها من التركة، وربّما يكون المال الكلّي مرتبطاً بالعهدة والذمّة معاً، كما في من أتلف مال غيره فقد انشغلت ذمّته بالمال وانشغلت عهدته بوجوب إفراغ الذمّة وأداء المال، بينما الطفل الصغير الذي أتلف مال غيره مثلا انشغلت ذمّته بالمال لكن ليس على عهدته شيء، ولو استدان مالا من كافر حربيّ انشغلت ذمّته ولكن ليس على عهدته الأداء، وبإمكانه أن يمتلك ما في ذمّته فيسقط عنه وتفرغ ذمّته، وطبيعيّ أنّ المال الخارجيّ لا يشغل الذمّة لأنّ الذمّة وعاء اعتباريّ فرض كمحلٍّ لاستيعاب الأموال التي لم يستوعبها الظرف الخارجيّ. أمـّا المال الموجود في ظرف الخارج فليس بحاجة إلى ظرف اعتباريّ من هذا القبيل.

هذا، والذي يبيع كلّيّاً في ذمّته وإن كان لا يوجد قبل البيع مال في ذمّته يمتلكه كي يبيعه لكن يكفي إشباعاً للقانون العقلائيّ الذي يقول: لا بيع إلّا في ملك، مالكيّة الإنسان لنفس الذمّة التي هي من سنخ مالكيّته لنفسه ولأعماله، فهو أولى بإشغال ذمّته من غيره أو إبقائها على الفراغ.


(1) راجع كتاب المكاسب والبيع للشيخ الآملي 1: 352، وكتاب منية الطالب للشيخ موسى النجفي 1: 141 السطر. و ص 145 س 12 و ص 147 س 15.