المولفات

المؤلفات > تصوّرات عامّة عن الملك

18

الفرض الأوّل: أن يرضى صاحب اليد الاُولى بتملّك صاحب اليد الثانية رضاً مقيّداً ببقاء اليد الثانية على ما تقتضيه من الضمان، وذلك كما في القرض بناءً على أنّ حقيقته عبارة عن إجازة التملّك بقيد الضمان، وليس تمليكاً بضمان، ولذا يكون قوامه عقلائيّاً وشرعاً بالقبض، ولا يصحّ القرض عقلائيّاً وشرعاً في ما لا يقبل الحيازة كالعمل وكشيء في الذمّة.

وذكر بعض: أنّ القرض تمليك للخصوصيّة مع الاستيمان على أصل الماليّة.

ويرد عليه: أنّه هل المقصود الاستيمان على الماليّة الموجودة في ضمن هذا المال، أو على ماليّة مضافة إلى ذمّة المقترض، أو على مطلق الماليّة من دون إضافتها إلى ذمّة أو عين؟ أمـّا الثالث فلا معنى له، فإنّ الماليّة من دون إضافة ليست أمراً معتبراً لدى العقلاء يعقل الاستيمان عليه. وأمـّا الأوّل فيرد عليه: أنّه لو كانت الماليّة الموجودة في ضمن هذا المال أمانة عنده فكيف جاز له إتلافها؟! وأمـّا الثاني، وهو دعوى كون الماليّة الثابتة في ذمّته أمانة عنده، فنقول: هذا معناه الاعتراف في الرتبة السابقة على هذا الاستيمان بتحقّق ماليّة في ذمّته، وهذا هو الذي يكون بحاجة إلى التحليل في مقام فهم حقيقة القرض، ولا يمكن تحليله بما يفترض في مرتبة متأخّرة عنه، وهو الاستيمان على هذه الماليّة وتحليله ما ذكرناه.

الفرض الثاني: أن يرضى صاحب اليد الاُولى بتملّك صاحب اليد الثانية رضاً مقيّداً بالضمان أيضاً كما في الفرض الأوّل، إلّا أنّه يفرض الضمان هنا ضماناً بالمسمّى، وذلك كما في المعاطاة عندما لا تكون بداعي الإنشاء الفعليّ، فلا ترجع إلى البيع، فعندئذ يكون أحدهما مبرزاً لرضاه بتملّك الآخر ماله بالحيازة مضموناً عليه ذلك بثمن معيّن، ويدخل في هذا مثل وضع السقّاء قربة الماء في موضع مّا ليأخذوا منه ويضعوا ثمنه في كوزه، ونحو ذلك ممّا يشبه المعاطاة ولا معاطاة خارجاً، فليس هذا بيعاً حتماً لعدم معاملة عقديّة ولا معاطاتيّة. ومن هنا التجأ السيّد الاُستاذ ـ يعني به السيّد الخوئي (رحمه الله) ـ إلى القول بكون ذلك تمليكاً مع الضمان لا بيعاً.

والصحيح: أنّ ما ذكره غير تام، إذ كيف يفترض أنّ السقّاء يملّك الماء من الشارب بينما قد يكون السقّاء حين مجيء الشارب إلى القربة غافلا محضاً أو نائماً؟ أمـّا افتراض أنّه أبدى رضاه بإيجاد الشارب هذا التمليك بالنيابة عنه فهو الذي يقوم بالإيجاب والقبول الفعليّين معاً فهو خلاف المرتكز العقلائي، إذ ليس من المرتكز عندهم مثل هذه التكلّفات، ولو صار القرار على الالتزام بهذه التكلّفات فلم لا نقول: إنّ هذا بيع، وإنّ المعاطاة والتمليك والتملّك تحصل بفعل الشارب بالنيابة عن السقّاء(1)؟ والصحيح ما ذكرناه من أنّ السقّاء أبدى رضاه بتملّك الشارب للماء بالحيازة مضموناً عليه بمبلغ من المال فيضعه في كوزه.


(1) لا يخفى أنّ مختار السيّد الخوئي (رحمه الله) ـ على ما جاء في مصباح الفقاهة 2: 169، وفي المحاضرات 2: 82 ـ في مثال أخذ المحقّرات كالخضريات والبقولات، ووضع الثمن في المكان المعدّ له، إنّما هو هذا، أعني حصول البيع من قبل الآخذ بالنيابة عن صاحب المال. نعم، اختار في فرض شرب الشارب من فم قربة السقّاء ووضع الثمن في الموضع المعدّ له أنـّه ليس بيعاً، وعلّل ذلك بأنّ المقدار الذي سوف يشربه الشارب لكي يرتوي غير معلوم، فلو حملناه على البيع لزم الغرر، ولذا حمله في المحاضرات على إباحة التصرّف بضمان، وفي مصباح الفقاهة على إباحة التصرّف أو التمليك بضمان.أقول: إنّ هذا الكلام غريب، فإنّ عدم الغرر ليس من مقوّمات البيع العقلائي، وإنّما هو شرط تعبّدي، فجعله شاهداً على عدم إرادة الناس من مثال الشرب من قربة السقّاء لا معنى له.والصحيح: أنّ المفهوم عرفاً في الأمثلة الاستهلاكيّة من قبيل الشرب من القربة هو الإباحة بضمان، وفي أمثلة الحيازة ونقل الأموال من قبيل أخذ الخضروات والبقولات هو ما اختاره السيّد الشهيد (رحمه الله) من الإذن في التمليك بضمان.