المولفات

المؤلفات > حقوق الابتكار

3

والكبرى المركوزة في الذهن العقلائيّ إنّما هي مملكيّة الصنع والعلاج بالمعنى الشامل لصنع الاُمور المعنويّة، غاية ما هناك أنّ الأفراد المعنويّة لم تكن موجودة في زمن المعصوم ووجدت في الأزمنة المتأخّرة، وهذا يعني التوسّع في المصداق والتطبيق لا في أصل الارتكاز.

والصحيح: أنّ هذا الوجه غير تامّ، فإنّ أمثال هذه العلاجات المعنويّة والصنع المعنويّ كانت موجودة في زمن المعصوم ولو بمستوىً منخفض وضيّق، فهناك تأليفات في ذاك الزمن وهناك إبداعات راقية وقتئذ بالقياس إلى زمانها، ولكن لم يكن هناك ارتكاز امتلاكها من قبل مؤلّفها أو مبدعها، أو نشكّ ـ على الأقلّ ـ في وجود ارتكاز من هذا القبيل وقتئذ. وكان السبب في عدم هذا الارتكاز عدم الشعور بحاجة إلى اعتبار ملكيّة من هذا القبيل، إذ لم يكن مجال لاستغلال ذاك الأمر التجريدي المصنوع، إذ لا طباعة وقتئذ ولا قدرة على سعة النشر، ولا على تقليد الفنون والصناعات بشكل واسع، وقد حصلت الحاجة حديثاً إلى اعتبار هذه الملكيّة بسبب تطوّر الأوضاع والأدوات واتّساع القدرات وانفتاح أبواب كثيرة للاستغلال، فهنا حصل للعقلاء ارتكاز الملكيّة للأمر التجريديّ المعنويّ بصنعه وعلاجه، وفيما سبق لم يكن الارتكاز إلّا على مملكيّة العلاج في الاُمور المادّيّة، ولا أقلّ من احتمال ذلك، فالقضيّة إذن راجعة إلى حصول التوسّع في الارتكازات، وليست راجعة إلى التوسّع في دائرة المصاديق.

والوجه الثاني: أن يقال: إنّ ملكيّة الإنسان لأعماله وذممه وجوارحه وأعضائه ونتائج أعماله ليست ملكيّة اعتباريّة، بل هي ملكيّة تكوينيّة بمعنى السلطة التكوينيّة عليها، ولم يرَ العقلاء حاجة إلى جعل السلطة الاعتباريّة في هذه الموارد لكفاية السلطة التكوينيّة فيها عن الاعتباريّة في نظرهم. وهذه الملكيّة التكوينيّة موضوع لحقّ الاختصاص والأولويّة للإنسان على تلك الأعمال والنتائج، لا تمسّكاً بالارتكاز القائل بذلك كي يعود المحذور ويشكّك في ثبوت هذا الارتكاز في مورد الكلام في زمن المعصوم، بل تمسّكاً بروايات عدم جواز التصرّف في مال الغير من قبيل ما ورد في توقيع على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمريّ (رحمه الله) من قول الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه»(1).

ومن قبيل ما ورد عن سماعَة وعن زيد الشحّام عن أبي عبد الله عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرىء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه»(2).

فإذا ثبتت هذه الأولويّة للإنسان بالقياس لنتائج أعماله قلنا: إنّ الكتاب مثلا بوجوده التجريديّ المعنويّ يكون من نتائج صاحب الكتاب فهو مملوك له ملكيّة تكوينيّة لا اعتباريّة، والتصرّف فيه بمثل الطبع بغير إذنه مثلا تصرّف في مال الناس ومنهيّ عنه بحكم تلك الروايات. وكذلك تشمله أدلّة المعاملات في غير ما تشترط فيه العينيّة كالمبيع مثلا.


(1) الوسائل 6: 377، الباب 3، من الانفال، الحديث 6.
(2) ورد الحديث عن سماعة في الوسائل 3: 424، الباب. من مكان المصلّي، الحديث 1، وورد عن سماعة وعن