المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

4

أمّا الوجوه التي قد يمكن الاعتماد على بعضها لإثبات عدم سقوط الهدي بالعجز عن الذبح في منى فهي ما يلي:

الوجه الأوّل ـ دعوى الضرورة الفقهية على ذلك، فلعلّ عدم سقوط التكليف عن المتمتع بمجرّد عجزه عن ذبحه بمنى من المسلّمات. إلّا أنّ هذا الوجه إنّما ينفع لو جزمنا بقيام الضرورة الفقهية على بقاء وجوب الذبح مع سقوط قيد كونه في منى، أمّا لو ادّعينا أنّ الضرورة إنّما قامت على عدم سقوط الهدي بلا بدل فهذا الوجه لو تمّ وحده لورّطنا في مشكلة الجمع بين ذبح الهدي والصوم عملا بالعلم الإجمالي، إلّا إذا ادّعينا احتمال التخيير ورفعنا تعيين أحدهما بالبراءة من التعيين.

الوجه الثاني ـ التمسك بالروايات الواردة في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم إلى أن يريد الرجوع إلى أهله، كصحيحة حريز عن أبي عبد الله قال: «يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه، وهو يجزئ عنه، فإن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة»(1).

فإنّ الظاهر من ذلك أنّ ذاك البعض سيذبحه في مكة، إمّا لأنّه يصعب عليه نقله إلى منى لأجل المنوب عنه ـخصوصاً في تلك الأيّام التي لم تكن فيها وسائل النقل حديثة ومتوفّرة كما هي اليومـ فالشريعة لم تشأ تكليفه بالذبح في منى، وإمّا لأنّ قيد الذبح في منى يختص بأيّام منى ـأعني أيّام التشريقـ وقد انتهت. ومنشأ هذا الظهور سكوته عن إيجاب ذبحه في منى، رغم أنّ وجوب ذلك في هذه الحالة ليس من الواضحات، ففرض جعل الثمن عند بعض أهل مكة ليذبح عنه ظاهره هو الذبح في مكة، وإلّا لنبّه الإمام على ذلك.

فلئن سقط قيد منى بالعجز عنه في أيّام منى فهو المطلوب، ولئن سقط قيد منى بمجرّد صعوبة الالتزام بذلك من قبل النائب فسقوطه بالعجز عنه أولى.

وصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن النضر بن قراوش (ويكفي في توثيقه نقل أحمد بن محمّد بن أبي نصر عنه) قال: سألت أبا عبد الله عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحجّ، فوجب عليه النسك، فطلبه فلم يجده وهو موسر حسن الحال، وهو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟ قال: «يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضيّ إلى أهله، وليذبح عنه في ذي الحجة»، فقلت: فإنّه دفعه إلى من يذبح عنه، فلم يصب في ذي الحجة نسكاً وأصابه بعد ذلك؟ قال: «لايذبح عنه إلّا في ذي الحجة ولو أخّره إلى قابل»(2).

وهذه الرواية أظهر من الاُولى في الذبح بمكة؛ لمكان قوله: «يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة» فإنّ فرض تعلق «بمكة» بـ«يدفع» أو كونه وصفاً للموصول أي: مَن يكون بمكة، خلاف الظاهر والظاهر، تعلقه بـ«يذبحه».

ولا تعارضها صحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي، حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن الشاة، أيذبح أو يصوم؟ قال: «بل يصوم؛ فإنّ أيّام الذبح قد مضت»(3).

وذلك لأنّ احتمال الفرق وارد بين من يجد الثمن لكنه لا يحصل على الحيوان، ومن لا يجد الثمن أصلا.


(1) وسائل الشيعة 14: 176، ب 44 من الذبح، ح 1، ط ـ آل البيت عليهم السلام.
(2) المصدر السابق: ح 2.
(3) المصدر السابق: ص 177، ح. و 4.