المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

17

وأمّا ما ذكره من الوجه الثالث؛ وهو أنّ الذبح في الوقت الحاضر لا يمكن أن يكون في منى، وعندئذ فلا دليل على خصوصية لمكان آخر فيجوز له الذبح ولو في بلده، فهذا ليس كلاماً مختصّاً به ولا راجعاً إلى الفتوى التي اشتهر بها وهي سقوط الذبح هناك؛ لعدم إمكان الإطعام، وهذا ما يقول به الكل من أنّه مع تعذر الذبح هناك في أيّ دائرة قلنا بها للذبح ـمن منى أو مكة وما حواليها أو غير ذلكـ جاز الذبح في كلّ مكان.

نعم، قد يكون الخلاف معه في دائرة جواز الذبح هناك ولو لدى الضرورة؛ هل يجزئ مثلا الذبح في مكة أو في وادي محسّر؛ فلا تصل النوبة مع إمكان ذلك إلى التخيير في الذبح في كل مكان، أو لا؟ وقد مضى رأينا في ذلك.

أمّا قوله بأنّ موثقة سماعة التي تقول: «يرتفعون إلى وادي محسّر» لا تدل على جواز الإتيان بالأعمال في وادي محسّر وإنّما هي واردة بشأن الوقوف ـوكأنّ مقصوده بالوقوف البيتوتةـ فهو غير صحيح؛ فإنّ الكون في منى طيلة الأيّام الثلاثة أو ضرب الخيام هناك أو الإقامة بالسكن هناك ليس هو الواجب، فيكون معنى «يرتفعون إلى وادي محسّر» أنّهم يقيمون رحلهم أو يسكنون في وادي محسّر؛ كي يأتوا بالأعمال هناك من بيتوتة أو ذبح أو حلق.

وأمّا ما ذكره من الوجه الثاني ـمن عدم وجود هذا الفرد من الذبح أو ندرته في زمن النصوصـ فلا أظنّ أن يخفى عليك أنّ الحق المحقّق لدى المحققين المتأخرين في بحث الإطلاق والانصراف عدم قبول الانصراف لمجرد ندرة الفرد أو عدم وجوده في عصر النص، ودليل الوفاء بالعقد يشمل بإطلاقه العقود المستجدة، ولا نحتاج في إثباتها إلى تعدي العرف بالقطع بعدم الفرق.

وأمّا ما ذكره من الوجه الأوّل فلا يقبل نقاشاً فنّياً؛ إذ لم يذكر نقطةً لاستظهاره من الأمر وحدة المطلوب عدا فاء التفريع، ولم يذكر نقطةً لاستظهار كون الفاء فاء التفريع ولا دليلا على أنّ التفريع يثبت وحدة المطلوب. ولعلّ خير ما يمكن أن يذكر لإثبات وحدة المطلوب هو دعوى أنّ المركوز عرفاً: أنّ الذبح لا ملاك نفسي فيه وإنّما ملاكه مقدمي باعتباره مقدمة للإطعام والصرف، كما أشار هو إلى ذلك في مقام ترجيح رفع اليد عن قيد منى على رفع اليد عن قيد الإطعام. ولئن كان هذا هو الدليل على وحدة المطلوب فقد تركز الإشكال الذي اُورد على الشيخ من أنّه بناءً على مقدمية الذبح للإطعام فلنقتصر على شراء اللحوم من القصابين واللحّامين بقدر الذبيحة ونعطيها للفقراء.

ومن الغريب جوابه على ذلك: بأنّ كلاّ من الذبح والإطعام واجب كوجوب الوضوء والطواف، إلّا أنّ الأوّل منهما مقدمة للثاني؛ فالذبح مقدمة للإطعام والوضوء مقدمة للطواف، وكما أنّه حينما يسقط الطواف يسقط الوضوء، كذلك حينما يسقط الإطعام يسقط الذبح.