المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

16

والإنصاف أنّ المقام داخل في التعارض لا التزاحم؛ لأنّ ملاك الاُضحية غير محرز أصلا.

فإن قيل: إنّ ملاك الإسراف أيضاً غير محرز، فهذا يعني الشك في وجود أحد الملاكين إجمالا، وهذا اعتراف بخروج المقام عن بحث التزاحم ودخوله في مسألة التعارض، فيعود الكلام السابق فيه.

هذه خلاصة بياناته ـحفظه اللهـ المنقولة في تقرير بحثه.

ثمّ يذكر الجواب عن عدّة من الأسئلة وجّهت إلى سماحته، نختار منها هنا سؤالين:

الأوّل: أليس فتوى الذبح في غير محلّ الذبح في منى خلاف إجماع المسلمين؟!

الجواب: انّ المسألة من المسائل المستحدثة التي برزت في القرن الأخير، وقد كانت لحوم الأضاحي تُصرف في السابق في مواردها، ولهذا السبب لا تجد رواية ولا فتوى واحدة في الكتب السالفة عن حكم إتلاف الأضاحي.

والثاني: لئن كان الذبح واجباً مقدّمياً والإطعام واجباً نفسياً لم يجب على الحجّاج ذبح الهدي أصلا، بل يمكنهم شراء ما يعادل الذبيحة من اللحم من اللحّام وتوزيعه على المحتاجين.

الجواب: إنّ كلاّ من الذبح والصرف واجب، إلّا أنّ أحدهما مقدمة للآخر كما في الوضوء والطواف، وكما أنّه لو أصبح الطواف غير ممكن لشخص سقط عنه الوضوء، كذلك في المقام لو أصبح الإطعام مما يذبح هناك غيرَ ممكن سقط وجوب الذبح هناك.

أقـول: إنّ أغرب ما في هذا الحديث دليله الرابع على سقوط الذبح هناك، وهو دليل حرمة الإسراف والتبذير.

ونحن بدورنا نسأل: هل المقصود تسجيل إشكال الإسراف والتبذير على الحرق والدفن والإتلاف وترك الأضاحي إلى أن تجيف وما إلى ذلك مما هو إشكال على الحكومة؛ فهذا لا كلام فيه ولا علاقة له ببحثنا، أو المقصود تسجيل الإشكال على نفس الذبح؛ لأنّنا نعلم أنّه ينتهي إلى التلف من دون فائدة فيصبح الذبح إسرافاً وتبذيراً؟ والمفروض أن يكون هذا هو المقصود، فعندئذ نقول: إنّ النسبة بين دليل وجوب التضحية ودليل حرمة الإسراف والتبذير ليست هي التعارض ولا التزاحم ـوكأنّ مقصوده هو التزاحم الملاكي لا التزاحم المعروف عن مدرسة الشيخ النائيني (رحمه الله) ـ بل النسبة هي الورود؛ فإنّنا لو افترضنا دليلا على وجوب هذا الذبح ارتفع بذلك تكويناً موضوع الإسراف والتبذير، ولو افترضنا عدم تمامية الدليل على هذا الذبح لبعض الوجوه السابقة لم يكن هذا الوجه الرابع وجهاً مستقلا في مقابل تلك الوجوه.

نعم، لو أثبت أوّلا عدم وجوب الذبح بأحد الوجوه الثلاثة الاُولى، فاشتهى أحدٌ الذبح هناك رغم عدم الوجوب وعدم الإجزاء، كان من الصحيح أن يقال له بحرمة هذا العمل بدليل كونه إسرافاً وتبذيراً.