المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

10

ولعلّه يكفي لكسر الغرابة ذكر شبيه لذلك من الفقه، وهو أنّ الله تبارك وتعالى قال في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ...﴾(1) فلئن شككنا في تفسير محلها البيت العتيق، هل يقصد به أنّ محل هدي الحجّ إلى البيت العتيق أو يقصد محل مطلق الشعائر أو أعمال الحجّ إلى البيت العتيق، فلا شك في قوله تعالى: ﴿هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ أنّ المقصود كفّارة الصيد وأنّ محلها الكعبة، مع أنّه لا إشكال نصّاً(2) وفتوى في أنّ محلّ ذبح الكفارة للصيد في احرام الحجّ هو منى. نعم محلّ ذبحها للصيد في إحرام العمرة هو مكة.

وعلى أيّة حال، فلو لم يقبل ـبعد كل ما شرحناهـ هذا التفسير أو نوقش في الاستدلال بالآية بحج التمتع بحجة ورودها في القران وادّعي احتمال الفرق، لم يبقَ لدينا ما يدلّ على خصوصية لمكة أو ما حواليها بعد فرض العجز عن الذبح بمنى، إلّا ما مضى من صحيحة حريز(3) ومعتبرة النضر ابن قرواش(4)، الآمرتين بإيداع الثمن لدى بعض أهل مكة لمن وجد الثمن ولم يجد الهدي.

وما مضى منّا من الاعتراض على ذلك بإبداء احتمال أنّ الأمر بإيداع الثمن لدى بعض أهل مكة لعلّه كان خوفاً من عدم التمكن من الذبح في بلد الحاج في ذي الحجة لإمكان تأخّر الوصول إلى البلد بأسباب السفر آنئذ إلى أن ينسلخ ذو الحجة.

قابلٌ للجواب؛ بالتمسك بإطلاق الحديثين لأهل البلاد القريبة من مكة كالمدينة التي لم يكن يستغرق الوصول اليها أكثر من أيّام.

أمّا لو لم نقبل كل هذا، فلا يبقى إلّا أن يقال ـبعد فرض العجز عن الذبح بمنى وكذلك فرض العجز عن الذبح بوادي محسّرـ بجواز الذبح في أيّ مكان آخر بعد ضرورة عدم سقوط أصل الهدي بلا بدل، ومع احتمال بدلية الصوم نجري البراءة عن احتمال تعين الصوم بعد اختصاص نصوص الصوم بمن لم يجد هدياً.

بقي الكلام في اُمور هامّة:

الأمر الأوّل ـ ذكر اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في الموجز في الحجّ: «وإذا ضاقت منى بالناس وتعذّر إنجاز الواجبات فيها، اتسعت رقعة منى شرعاً فشملت وادي محسّر...»(5).

أقـول: إنّ مستنده (رحمه الله) لهذا الحكم هو موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد الله: إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: «يرتفعون إلى وادي محسّر». قلتُ: فإذا كثروا بجمع وضاقت بالموقف كيف يصنعون؟ فقال: «يرتفعون إلى المأزمين». قلتُ: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ فقال: «يرتفعون إلى الجبل»(6).


(1) سورة المائدة، الآية: 95.
(2) وسائل الشيعة 13: 95 ـ 96، ب 49 من كفارات الصيد، ح 1، 2، 3، 4.
(3) المصدر السابق 14: 176، ب 44 من الذبح، ح 1.
(4) المصدر السابق: ص 176، ب 44 من الذبح، ح 2.
(5) موجز أحكام الحجّ: 156.
(6) وسائل الشيعة 13: 535، ب 11 من إحرام الحجّ والوقوف بعرفة، ح 4.