المولفات

المؤلفات > بحث في اللقطة ومجهول المالك

8

ولكن قد مضت رواية إبراهيم بن عمر(1)، وهي تدلّ في لقطة الحرم على التعريف سنة ثمّ التصدّق.

ولا يبعد كون رواية عليّ بن أبي حمزة ناظرة إلى حالة الاضطرار؛ لأنّ هذا المسافر لا يتمكّن عادةً من البقاء سنة في الحرم. ومن المحتمل ـ بقرينة قوله: "يرجع إلى بلده"(2) رغم أنّ السائل لم يكن قد فرض كون الملتقط مسافراً ـ أنّ الرواية صدرت في زمن زيارة بيت الله، وكانت ناظرة إلى ظرف من هذا القبيل، وفي هذا الظرف حينما يرجع الملتقط إلى بلاده يكون أكثر الزوّار الآخرين أيضاً راجعين إلى بلادهم، وحينئذٍ يتعذّر التعريف ويحصل اليأس عن حصول المالك الذي هو في أغلب الظنّ أيضاً من الزوّار.

5 ـ ما عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر قال: "قضى عليّ في رجل وجد ورقاً في خربة: أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتّع بها"(3). وسند الحديث تامّ.

وقد يقال: إنّه وإن لم يقيّد التعريف هنا بسنة لكنّه مطلق فنقيّده بالمقيّدات.

ولكن الظاهر أنّ أصل التعريف هنا يمكن حمله على الاستحباب؛ وذلك لعدم وجوب التعريف رأساً فيما يوجد في خربة باد أهلها، كما ورد بسند تامّ عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر، قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: "إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به"(4).

وورد أيضاً بسند تامّ عن محمّد بن مسلم عن أحدهما، قال: سألته عن اللقطة، قال: "لا ترفعوها، فإن ابتليت فعرّفها سنة، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك؛ يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء لها طالب". قال: وسألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: "إن كانت معمورة فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت"(5).

فكأنّ كون المال في مكان خراب جلا أهله أمارة على جلاء ملاكه، ويجوز في هذه الحالة تملّكه؛ إمّا لأجل احتمال هلاك ملاكه، أو لأجل عدم إمكانية التعريف على أساس سعة دائرة الجهالة، وسنعود إن شاء الله إلى البحث عن ذلك.

6 ـ ما عن داود بن أبي يزيد ـ بسند تامّ ـ عن أبي عبد الله، قال: قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه، قال: فقال أبو عبد الله: "والله إن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟" قال: أي والله. قال: "فأنا والله ما له صاحب غيري". قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، فقال: "فاذهب فاقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت منه". قال: فقسمته بين إخواني(6).

فقد يقال: إنّ ترك استفصاله عن كون ما أصابه لقطة أم لا وأنّه يمكن تعريفه أم لا وأنّه عرّفه سنة أم لا، دليلٌ على عدم وجوب التعريف في اللقطة.


(1) وسائل الشيعة 9: 361، ب 28 من مقدّمات الطواف، ح 4.
(2) وسائل الشيعة 17: 368، ب 17 من اللقطة، ح 2.
(3) المصدر السابق: 355، ب. من اللقطة، ح 5.
(4) المصدر السابق: 354، ح 1.
(5) جاء صدر الحديث في وسائل الشيعة 17: 350، ب. من اللقطة، ح 3، وذيله في ص 355، ب. من اللقطة، ح 2.
(6) وسائل الشيعة 17: 357، ب. من اللقطة، ح 1.