المولفات

المؤلفات > بحث في اللقطة ومجهول المالك

30

3 ً ـ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة، ثم يتصدّق بها فيأتي صاحبها، ما حال الذي تصدّق بها؟ ولمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها؟ أو قيمتها؟ قال: "هو ضامن لها والأجر له إلا أن يرضى صاحبها فيدعها والأجر له" (1).

فهذه الرواية دالّة على جواز التصدّق باللقطة حيث فرض الراوي التصدّق وسأل ماذا يترتّب عليه؟ والامام أقرّ ما فرض وأجاب على ما يترتّب عليه. وسندها تام.

إلا أنّه قد يقال: إنّ هذه الرواية إنّما تدّل على جواز التصدّق كعِدل للملكية بناءً على كون التملّك في اللقطة اختيارياً، أمّا بناءً على استفادة الملكية القهرية من روايات امتلاك اللقطة فهذه الرواية لا تنهض لاثبات التصدّق كعِدل للملكية، فإنّ عدليته للملكية إنّما تتصوّر فيما لو لم يكن حصول الملكية قهراً وبلا اختيار، ولا تدلّ هذه الرواية على جواز التصدّق في مقابل الملك بحيث تعارض رواية الملكية القهرية أو توجب حمل روايات الملك على الملكية الاختيارية؛ وذلك لأنّ الحكم بالتصدّق لم يصدر ابتداء من الامام، بل الراوي فرض التصدّق وسأل عمّا يثبت بعده من ضمان أو أجر، والامام لم يردع عن التصدّق، وبل ويتكلّم عمّا يثبت بعد التصّدق من ضمان أو أجر.

وكلّ هذا كما ترى لا يثبت جواز التصدّق بملك المالك السابق الذي ضاع ماله في مقابل تملّكه، بل يحتمل أنّ هذا المال قد أصبح ملكاً قهرياً للملتقط، وأنّ الملتقط قد تصدّق بما هو ملكه والامام حكم بضمانه وكون الأجر له إلا أن يرضى صاحب المال السابق فيتحوّل الأجر إليه، ولا ضمان على الملتقط حينئذٍ.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ المفهوم عرفاً من ثبوت أجر التصدّق لصاحب المال السابق على تقدير رضاه هو عدم حصول الملكية للملتقط، وإلا فقد كان المفروض ثبوت أجر تحوّل ماله الى الملتقط له وتركه لمطالبته بالمال، لا ثبوت أجر التصدّق، فإنّ التصدّق لم يكن بماله، وإنّما كان بمال الملتقط.

ثم إنّ جواز التصدّق في مقابل الملك إن أثبتناه بفحوى دليل جواز التملّك فهو ثابت في الحيوان كما هو ثابت في غير الحيوان؛ وذلك لأنّنا قلنا بالملك في الحيوان أيضاً،. والمقصود من الحيوان ما لا يشمل العبد والأمة )، وإن أثبتناه بالنص، فإن كان للنص إطلاق يشمل الحيوان كما هو الحال في رواية حسين بن كثير عن أبيه الماضية (2) فلا كلام، وإن لم يكن له إطلاق كما هو الحال في رواية حفص بن غياث التي فهم فيها حكم اللقطة على أساس تنزيل الامام ما أعطاه اللصّ بمنزلة اللقطة فهو لم يكن ابتداء بصدد حكم اللقطة كي يستفاد منه الاطلاق.

وكرواية علي بن جعفر الماضية حيث كان فيه التصدّق مفروضاً ومفروغاً عنه، فلا إطلاق بالنسبة إليه، فالظاهر أنّ العرف يتعدّى الى الحيوان، ولا يتعقّل الفرق في التصدّق بين الحيوان وغيره.

هذا تمام الكلام في التصدّق.


(1) المصدر السابق: 352، ب. من اللقطة، ح 14.
(2) المصدر السابق: 349 ـ 350، ب. من اللقطة، ح 2.