المولفات

المؤلفات > مَغزى البيعة مع المعصومين (علیهم السلام)

1

مَغزى البيعة مع المعصومين (عليهم السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

شوهد في الآونة الأخيرة من يجعل بيعة الاُمّة للمعصوم شرطاً في ولايته التي تكون بمعنى ولاية الحكم، ووجوب إطاعته في أحكامه التي تصدر عنه بوصفه حاكماً دون التي تصدر عنه بوصفه مبلّغاً لشريعة الله. ولا فرق في هذا الشرط بين رسول الله (صلى الله عليه و آله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، فمن لم يبايَع منهم من قبل الاُمّة على ذلك لم يكن له حقّ الحكومة وتنحصر وظيفته عندئذ في تبليغ الشريعة.

وقال: إنّ نظريّة العقد الاجتماعي المنسوبة إلى روسو يعود جذرها في الحقيقة إلى زمن نوح  بل إلى زمن آدم ، وإنّها بجذرها تكون من بقايا رسالات الرسل التي أتوا بها من السماء، وخلاصتها في جذرها عبارة عن أنّ الحكومة في أساسها ترجع إلى العقد كعقد البيع أو النكاح أو غير ذلك. فالاُمّة تملك بنفسها أمرها ثُمّ تعطي ذلك إلى الحاكم من دون فرق في ذلك بين الحاكم المعصوم والحاكم غير المعصوم تماماً، من قبيل أن الرجل يملك مالاً فينقله إلى المشتري بعقد البيع أو يملك منفعة فينقلها إلى المستأجر بعقد الإيجار، أو أنّ المرأة تملك نفسها فتملّكها بالمقدار المشروع في عقد الزواج للزوج وما إلى ذلك من العقود.

وبما أنّ هذا القائل ينطلق من جذور دينيّة وليس من قبيل روسو، فلهذا فرّق بين المعصوم وغيره بأنّه ما دام المعصوم موجوداً تجب على الاُمّة بيعة المعصوم ولا تجوز لها بيعة غير المعصوم، فلو خالفوا هذا التكليف وبايعوا غير المعصوم وتركوا بيعة المعصوم لم تجز للمعصوم ممارسة السلطة والحكم، ولكن الاُمّة قد ضلّوا وعصوا. أمّا في حال غيبة المعصوم فعلى الاُمّة أن يبايعوا الفقيه العادل، فهذا القائل يعترف بولاية الفقيه، إلّا أنّه يقصد بولاية الفقيه أنّه يجب على الاُمّة أن يبايعوا أحدهم ومن وقعت له البيعة تحقّق له حقّ الحكم.

وهذا الجزء الأخير من كلامه ليس خاصّاً به بل هذا أمر سجّله أخيراً عدد من العلماء الأعلام مع إثبات ذلك بالأدلّة والبراهين، وسواء كان هذا صحيحاً أم باطلاً فهو ليس في حديثنا هذا مصبّاً للبحث، وقد بحثناه مفصّلاً في كتابنا المسمّى بولاية الأمر في عصر الغيبة.

أمّا العقد الاجتماعي لروسو فقد بحثناه مفصّلاً في كتابنا المسمّى بأساس الحكومة الإسلاميّة، وليس مصبّاً لبحثنا الآن وإنّما الذي نريد تناوله للبحث هنا هو أنّ حكومة المعصوم وأقصد بالذات الرسول (صلى الله عليه و آله) والأئمّة الاثني عشر ـ صلوات الله عليهم ـ هل هي مشروطه بالبيعة، وأنّ بيعة المعصومين لا يتصوّر لها مغزى إلّا إعطاء حقّ الحكومة الذي تملكه الاُمّة للمعصوم وتنقله إليه بالعقد الاجتماعي، أو من المحتمل أو المتعيّن أن يكون لها مغزى آخر غير هذه التي فهمها هذا القائل؟

ولعلّه لا يوجد قبل هذه الآونة الأخيرة شيعيّ يعتقد باشتراط ولاية الحكم للمعصوم بالبيعة. بل قيل لي: إنّ هذا القائل أيضاً تراجع عن رأيه.

ولكنّني على رغم ذلك رأيت لزاماً عليّ بحث هذا الموضوع خشية أن تكون هذه الشبهة سارية في بعض الأذهان، أو أن يقول البعض: إنّ ما وقع لعدد من المعصومين من البيعة دليل على أنّ فهم الشيعة وأئمّتهم وقتئذ كان هو هذا، وإن اختفى هذا الفهم عن الشيعة بعد ذلك في عصر الغيبة. وعليه فموضوع بحثنا هذا مايلي: