المولفات

المؤلفات > مقياس المسافة الشرعيّة مكانيّ أو زمانيّ

9

وبهذا اتّضح تفسير الرواية الثالثة التي فرضت من الروايات الحاكمة، وهي رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر: «سألته عن التقصير؟ قال: في بريد، قال: قلت: بريد؟ قال: إنّه إذا ذهب بريداً ورجع بريداً، فقد شغل يومه»، وهذا يعني أنّه يعطي علامة على كون البريد ذاهباً والبريد جائياً يساوي ثمانية فراسخ؛ لأنّه يشغل يومه والذي كان بسير الجمال عبارة عن المشي ثمانية فراسخ.

وأمّا خبر الفضل بن شاذان ـ وهي الرواية الثانية والثالثة ممّا فرض حاكماً ومفسّراً وجاعلاً المقياس الحقيقيّ مقياساً زمانيّاً لا  مكانيّاً  ـ فهو عبارة عن قوله: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا  أقلّ من ذلك ولا  أكثر لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم»، وزاد في العلل وعيون الأخبار: «وقد يختلف المسير، فسير البقر إنّما هو أربعة فراسخ ... »، فتأكيده على أنّ التقصير إنّما يجب في ثمانية فراسخ لا  أقلّ ولا  أكثر كالصريح في أنّ الموضوع الحقيقيّ للتقصير إنّما هو سير ثمانية فراسخ، فالتعليل في المقام ينصرف إلى الحكمة لا  العلّة التي هي بمعنى الموضوع الذي يدور مداره الحكم وجوداً وعدماً. والغالب في روايات علل الأحكام هو ذكر مجرّد الحِكَم والمصالح، وهذا لا  يوجب انتزاع موضوع آخر للحكم، وسلخ الموضوع الأوّل عن كونه موضوعاً. على أنّ الخبر غير تامّ سنداً.

وبذلك لم يبق في المقام ما يدّعى كونه حاكماً ومثبّتاً للمقياس الزمنيّ الذي يختلف مقدار ما يستوعبه من المسافة في يومنا هذا عن ذلك اليوم إلّا صحيحة عبدالله بن يحيى الكاهليّ: «أنّه سمع الصادق يقول في التقصير في الصلاة: بريد في بريد أربعة وعشرون ميلاً. ثُمّ قال: كان أبي يقول: إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء، والدابّة الناجية، وإنّما وضع على سير القطار».