المولفات

المؤلفات > مقياس المسافة الشرعيّة مكانيّ أو زمانيّ

10

والواقع أنّ هذه الرواية لا  إشارة فيها إلى الوحدة الزمانيّة من قريب أو بعيد، بل هي واضحة الدلالة على أنّ المقياس هو بريد في بريد، وبما أنّ البريد يعني المنزل الذي ينزله المسافرون عادةً للاستراحة وحطّ الرحل في نصف يوم، وكان يعتبر سفر يوم بريدين، كان هنا محلّ للسؤال، وهو: أنّ البريد يختلف مقدار مسافته بالسير على البغلة السفواء والدابّة الناجية عنه بسير القطار الذي كان مع الجمال المثقلة، فأيّ بريد هو المقصود في المقام؟ ولماذا فسّر البريد بمعنى أربعة وعشرين ميلاً مع أنّ الأبردة تختلف؟! فأجاب الإمام بأنّه كان أبي يقول: إنّ التقصير لم يوضع على سير البغلة السفواء، والدابّة الناجية، وإنّما وضع على سير الجمال المثقلة. ومن المعلوم أنّ سير الجمال المثقلة وقتئذ لا  يختلف مقداره عنه في هذا الزمان، وانّما فرق هذا الزمان عن ذاك الزمان هو غياب أصل سير الجمال وليس اختلاف مبلغه، ولم تكن في الرواية إشارة إلى مقياس زمنيّ قبل ذكره للبغلة السفواء والدابّة الناجية كي يصبح معنى العبارة صرف المقياس الزمنيّ إلى سير ما تعارف عليه السير مثلاً، وإنّما الوارد في الرواية هو البريد والأميال، فهذا الذيل إشارة إلى كيفيّة تطبيق البريد على الأميال.

وكأنّ المستدلّ توهّم أنّ البريد اسم لمقطع محدّد من المسافة كما هو الحال في الفرسخ والميل في حين أنّه ليس الأمر كذلك، وإنّما البريد يعطي معنى المنازل السفريّة المرسومة وقتئذ، وما في الروايات من تفسير البريد بأربعة فراسخ إنّما يعني أنّ البريد في سير الجِمال يساوي أربعة فراسخ.

ولعلّ هذا هو السبب في أنّه ورد في بعض الروايات بدل ذكر البريدين ذكر ثلاثة برد، فكأنّه كان ينظر إلى سير أبطأ من سير الجِمال.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

10. ذي القعدة. 1422 هـ ق