المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

9

المحور الثالث: بحث حول المتجزئ:

هل إنّ المتجزّي يعمل بما استنبطه أو عليه أن يقلّد أو يحتاط ؟

إنّ حديثنا عن ذلك يتألّف من بحثين:

البحث الأوّل: إنّ الاستنباط أو الإفتاء يكون بمجموع شيئين:

أحدهما: استفراغ الوسع على مستوى القدرات العلمية في الوقت الحاضر للاستنباط، فلو أحيي اليوم الشيخ الطوسي أو السيد المرتضى أو العلامة وأضرابهم من الأعاظم قد يرجعون اليوم مقلِّدين إلى أن يصلوا إلى مستوى الاستنباط مرّة اُخرى؛ وذلك لأنّهم قد لا يكونون منذ البدء قادرين على استفراغ الوسع بمستوى القدرات العلمية في الوقت الحاضر لتجدّد كثير من التدقيقات العلمية الدخيلة في الاستنباط.

وثانيهما: حصول اليقين أو الاطمئنان بما ينتهي إليه من النتيجة العملية من حكم واقعي أو ظاهري أو وظيفة عملية، وإلا كان إفتائه داخلاً في كبرى الإفتاء بغير علم، وكان مشمولاً للنهي الوارد في مثل قوله تعالى:. وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. (1).

والمتجزّئ لو طوى هاتين المرحلتين فلا معنى لعدم حجية فتواه لنفسه؛ فإنّها فتوى بالعلم.

البحث الثاني: إنّ هناك عقبتين عظيمتين أمام إفتاء المتجزّئ لا تجعلان وصوله إلى الفتوى مستحيلاً، ولكن توجبان لنا التحفّظ الكبير في الإيمان بحصولهما، فنحن لا نقبل بحصول المتجزّئ إلا باحتياطٍ وتحفّظٍ كبيرين:

العقبة الاُولى: التشابك العجيب الموجود في المدارك والأدّلة والروايات والدقائق العلمية فيما بين الأبواب المختلفة، فقد تجد رواية أو مدركاً أو نكتة علمية في باب تنبّهك على أمر في باب آخر لم يكن لها بالحسبان دخل في ذلك الباب؛ وذلك إمّا بأن تكون تلك الرواية أو النكتة مؤثّرة في حكم الباب الآخر أو يتّفق لها مجرّد لفت نظرك ولو صدفة على ما يؤثّر في الباب الآخر؛ ولذلك ينبغي للمفتي أن تكون له نحو إحاطة بالأبواب المختلفة والتي لا تكون عادة إلا لمن هو مطلق في ملكة الاستنباط إطلاقاً عرفياً.


(1) الإسراء: 36.