المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد / بحث في التقليد

10

العقبة الثانية: إنّ الشيء الثاني من الشيئين اللذين ذكرناهما كشرط للوصول إلى الفتوى و هو حصول اليقين أو الاطمئنان النفسي يكون أبعد تحقّقاً في نفس المتجزّئ منه في نفس الفقيه المطلق؛ وذلك:

أوّلاً: لأنّ مقدار التمرين له دخل كبير في القدرة على الاستنباط، وتمرين المتجزّئ يكون عادة أقلّ من تمرين الفقيه المطلق.

وثانياً: لأنّ ما مضت الإشارة إليه من التشابك بين الأبواب في المدارك والنكات تجعل وصول المتجزّئ إلى اليقين أو الاطمئنان النفسي أصعب من الفقيه المطلق، وكلّما ضاقت دائرة التجزّئ برزت هاتان العقبتان بشكل واضح.

وعلى أيّة حال فمهما استطاع المتجزّئ أن يجتاز هاتين العقبتين صحّ له أن يعمل بفتوى نفسه، ومهما عجز عن اجتيازهما لم تكن له فتوى، ولكن عدم ثبوت الفتوى له لا يعني حتماً جواز التقليد له؛ وذلك لأنّه قد يتّفق أنّ استنباطه الذي استنبطه ـ ولكنه لم يستطع تحصيل ركون النفس إليه ـ يمنعه عن الركون إلى فتوى من خالفه بحيث يفقد التقليد ما ينبغي أن تكون له من الطريقية و المرآتية، فإذا صار الأمر كذلك اضطر إلى الاحتياط.

كما أنّ المشكلتين اللتين أبرزناهما أمام فتوى المتجزّئ تجعلان فكرة التجزّي فكرة مرنة قد تصحّ وقد لا تصحّ، لا كما قد يقال من استحالة التجزّي؛ لأنّ الملكة بسيطة لا تتجزّأ، ولا كما قد يقال من ضرورة التجزّي لاستحالة الطفرة.

وقد اُجيب على الأوّل: بأنّ الملكة والقدرة وإن كانت بسيطة، ولكن مصبّها وهو استنباط الأحكام متعدّد ومختلف باختلاف الموارد في السهولة والصعوبة، أو في مقدار المراس الذي يمتلكه صاحب الملكة في ذلك الحقل.

كما علّق على الثاني: بأنّ هذه الاستحالة استحالة عادية لا عقلية؛ إذ لا مانع من حصول ملكة الاجتهاد المطلق دفعة واحدة ولو بالإعجاز والإفاضة من الله تعالى (1).

أقول: إنّ حالة الركون التي تحصل للفقيه بفتواه قد لا تحصل للشخص إلا في الأخير، أي حينما يصبح فقيهاً مطلقاً؛ لما يحصل عنده وقتئذٍ من سعة الإطلاع وكثرة المراس.


(1) راجع: التنقيح 1: 33، 35.