المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

735


قال: قلت له: أنت أعلم جعلت فداك، قال: إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجراً» قال: وفي رواية اُخرى: «إن أخذ به اُجر، وإن تركه والله أثم».

نفس المصدر: ح 2.فهذه جملة من الأخبار التي دلّت على أنّهم(عليهم السلام) كانوا كثيراً ما يعيشون في نصوصهم ظروف التقيّة.

ولكن أمارية الموافقة والمخالفة للعامّة على الترجيح لا تنحصر بمسألة التقيّة، بل هناك أمارية اُخرى لذلك، وهي أصل كونهم منحرفين ويحاولون التحريف، ومخالفة الحقّ، وتشهد لك ـ أيضاً ـ جملة من الروايات من قبيل:

1 ـ ما في مقبولة عمر بن حنظلة التامّة سنداً: (ما خالف العامّة ففيه الرشاد).

نفس المصدر: ح 23.

2 ـ ما عن عليّ بن أسباط بسند غير تامّ قال: «قلت للرضا (عليه السلام) يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: فقال: ائتِ فقيه البلد فاستفته من أمرك، فاذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإنّ الحقّ فيه».

نفس المصدر: ح 23.

3 ـ مرفوعة أبي إسحاق الأرجاني قال: «قال أبو عبدالله (عليه السلام): أتدري لم اُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامّة؟ فقلت: لا أدري. فقال: إنّ عليّاً (عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالف عليه الأُمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلتبسوا على الناس».

نفس المصدر: ح 24.

4 ـ ما عن أبي بصير بسند فيه عليّ بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية».

نفس المصدر: ح 32.

ولم يثبت أنّ روايات الترجيح بمخالفة العامّة كانت ناظرة إلى جانب التقيّة فحسب، بل واحدة منها وهي مقبولة عمر بن حنظلة ظاهرة في النظر إلى نفس أماريّة الموافقة والمخالفة؛ لما فيها من قوله (عليه السلام): (ما خالف العامّة ففيه الرشاد). أمّا سائر روايات الترجيح بها فهي إن لم تكن أقرب إلى هذه النكتة فهي ليست أقرب إلى نكتة التقيّة؛ لأنّها أمرت بالأخذ بما خالف العامّة وترك ما وافقهم، ولعلّ هذا ظاهر في أماريّة نفس المخالفة والموافقة باعتبارها مخالفة للمنحرفين وأهل الباطل، وموافقة لهم، من دون نظر إلى عنصر خارج عن حيطة مفاد هذه النصوص، وهو عنصر أنّ الإمام (عليه السلام) كان يعيش ظرف التقيّة. ولو لم نقبل بهذا الظهور فلا أقلّ من أنّها ليست ظاهرة في الاختصاص بالنظر إلى ظروف التقيّة، فنأخذ بإطلاقها لمثل فرض العلم بعدم التقيّة، ولو فرضنا الإجمال كفتنا المقبولة الظاهرة فيما قلناه.

وقد اتّضح بهذا العرض أنّه لو رأينا خبرين متعارضين أحدهما موافق للعامّة والآخر مخالف لهم، واتّفق صدفة العلم بعدم التقيّة لنكتة في نفس الرواية أو غيرها، أو لكونها مروية عن معصوم لم يكن يعيش ظروف التقية، فرغم ذلك نطبّق عليهما قاعدة الترجيح بمخالفة العامّة.