المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

633

فنحن قد اثبتنا نفي الثالث في ما سبق على أساس إثبات حجّيّة كلّ منهما بشرط كذب الآخر، ونحن نعلم إجمالا بتحقّق الشرط في أحدهما، فنعلم إجمالا بحجّيّة أحدهما، فننفي به الثالث، ولكن لو بنينا على بطلان التخيير بوجوهه السبعة وقلنا بالتساقط كما قال به المشهور، فعندئذ هل يمكن نفي الثالث أولا؟

قد يقال: نعم، بالإمكان أن ننفي الثالث؛ وذلك لأنّ كلاًّ من خبر الوجوب وخبر الاباحة مثلا يدلّ بالدلالة الالتزامية على نفي الحرمة، وهذه الدلالة الالتزامية لا معارض لها، فلا وجه لسقوطها، فننفي بهما الحرمة.

والدلالة الالتزامية وإن كانت في طول الدلالة المطابقية لكنّ هذه الطولية عبارة عن الطولية في الوجود، أي: لولا الدلالة المطابقية لما وجدت الدلالة الالتزامية، والدلالة المطابقية موجودة في المقام وإن سقطت عن الحجية، فالدلالة الالتزامية ـ أيضاً ـ موجودة، إذن فالمقتضي للحجّية موجود، والمانع مفقود.

أمّا وجود المقتضي فلأنّ الدلالة الالتزامية موجودة بوجود الدلالة المطابقية، فيشملها إطلاق دليل الحجّيّة. وأما عدم المانع، فلأنّ هذه الدلالة الالتزامية لا معارض لها.

والتحقيق: أنّ هذه المسألة قد تطرح بعدّة أنحاء:

الطرح الأوّل: أنّ الدلالة الالتزامية لا إشكال في تبعيّتها للدلالة المطابقية في الوجود، وهل هي تابعة لها في الحجّيّة أيضاً، أو لا؟ هذا يرجع إلى الاستظهار العرفي من دليل الحجّيّة، فلو استظهرنا من دليل الحجّيّة سواء فرضناها سيرة أو دليلا لفظياً أنّ حجّيّة الدلالة المطابقية مع حجّيّة الدلالة الالتزامية حجّيتان عرضيّتان، وفردان يشملهما إطلاق دليل الحجّية في عرض واحد، فسقوط الاُولى لا يستوجب سقوط الثانية، ولو استظهرنا أنّهما فردان طوليان فبسقوط الاُولى تسقط الثانية، فمن يقول بحجّيّة الدلالة الالتزامية بعد سقوط المطابقية يستظهر العرضية، ومن يقول بعدم الحجّيّة يستظهر الطولية.

الطرح الثاني: ما ذكره السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1) وهو لو تمّ يحكم على الطرح الأوّل، وهو أنّ الدلالة الالتزامية ساقطة عن الحجّيّة لا لتبعيّتها في الحجّيّة للدلالة المطابقية حتّى يقال: إنّهما حجّيتان عرضيّتان، بل لأنّها ـ أيضاً ـ مبتلاة بالمعارض، فتسقط كما سقطت الدلالة المطابقية؛ وذلك لأنّ المدلول الالتزامي للوجوب ليس هو مطلق عدم


(1) راجع مصباح الاصول ج 3 ص 370.