المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

589

مستعملاً فيه، حيث إنّ المفروض أنّ العامّ استعمل في العشرة، فلم تكن دلالة جدّية على طبقه، في حين أنّ الشيء الذي عليه العمل والمفروغ من صحّته هو حجّيّة العامّ في الباقي مطلقاً.

الوجه الثالث: دعوى تقدّم الخاصّ على العامّ من ناحية القرينية، والقرينة تقدّم على ذي القرينة ولو كانت أضعف منه في الظهور.

وهذا ما ذكره المحقّق النائيني (رحمه الله) ومدرسته، ويفسر بذلك السؤال الأوّل ويكملونه بما مضى عن المحقّق الخراساني من التفكيك بين الدلالات التضمّنية الجدّية تفسيراً للسؤال الثاني.

وتحقيق حال دعوى القرينة هو أنّ القرينية تتصوّر في مراحل.

الاُولى: هي القرينية في مرحلة الدلالة التصوّرية، وهي بأحد نحوين.

1 ـ ما اخترناه في تفسير التخصيص من أنّ الحالة السياقية تولّد دلالة تصوّرية ثالثة من المزج بين الدلالتين الاُوليين، وتكون هي المستقرّة في الذهن، ويمكن افتراض ذلك في باب المجازات من قبيل (رأيت اسداً يرمي) كما مرّ.

2 ـ إرجاع ذلك إلى اُنس الذهن وعدمه. وهذا أمر واقع في أغلب المجازات، فمثلاً في (رأيت أسداً يرمي) لو تصوّر المعنى الحقيقي لأسد مع افتراض الرمي، فهذا معناه أن تنتقش في الذهن صورة غريبة على الذهن، لم يرها، ولم يتعوّد عليها، وهي صورة حيوان مفترس بيده القوس ويرمي، فالذهن يرفض آنيّاً هذه الصورة، ويتصوّر صورةً اُخرى كانت تعطيها ـ ايضاً ـ كلمة (أسد)، إلاّ أنّها كانت واقعة تحت الشعاع بلحاظ أنّ كلمة (أسد) كانت تعطي صورة اُخرى مشعّة، وهي الصورة المتبادرة إلى الذهن ابتداءً، فبعد رفض الذهن تلك الصورة خرجت الصورة الاُخرى من تحت الشعاع، وانتقل إليها الذهن، فتصوّر صورة مأنوساً بها، وهي صورة رجل شجاع يرمي. وهذا التفسير للقرينية في أغلب المجازات أمر واقع، وتبقى القرينية بالمعنى الأوّل فيها مجرّد افتراض معقول. وأمّا في باب العامّ والخاصّ فتتعيّن ما اخترناه من القرينية بالمعنى الأوّل دون المعنى الثاني، فإنّ تصوّر الموجبة الكلّيّة مع تصور السالبة الجزئية مثلاً في قولنا: (أكرم العلماء، ولا تكرم النحويين) ليس غريباً على الذهن حتّى ينتقل لذلك إلى صورة اُخرى(1).

 


(1) التضادّ أو التناقض وإن كان مرتبطاً بباب التصديق لا التصوّر، ولكن بما أنّهما لا يجتمعان في الوجود،