المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

585

السياقية على صورة العموم المقتطع منه الخاصّ، وتلك الحالة السياقية هي اجتماع جملتين مع كون النسبة بينهما هي نسبة الأخصّيّة والأعمّيّة، أي: إنّ موضوع إحداهما أخصّ من الاُخرى، والدلالة التصوّريّة التي تستقرّ في النفس هي هذه الدلالة الثالثة، أي: العموم المقتطع منه الخاصّ، لا العموم، إذن فالدلالة التصديقية الجدّية التي تنعقد في المقام هي عبارة عن طلب إكرام من عدا النحويين من العلماء(1). وبهذا اتّضح الجواب عن كلا السؤالين:

أمّا السؤال الأوّل وهو: لماذا يقدّم الخاص على العام؟

فالجواب: أنّنا لا نقدّم الخاصّ على العامّ، وإنّما نقول: إنّ الدلالتين التصوّريّتين للخاصّ والعامّ تندكّان في دلالة تصوّرية ثالثة وهي صورة العامّ المقتطع منه الخاصّ، والدلالة التصديقية إنّما تنعقد على طبق هذه الصورة.

وأمّا السؤال الثاني وهو: لماذا يكون العامّ حجّة في تمام الباقي؟

فالجواب: أنّ الدلالة التصديقية قد انعقدت على طبق الدلالة التصوّرية النهائية المستقرّة في الذهن، وهي العموم المقتطع منه الخاصّ المساوق لتمام الباقي.

ولو قال المتكلم: (لا يجب إكرام أي عالم) و(أكرم النحويين) فهنا بالإمكان الجمع بين الجملتين بأحد شكلين:

الأوّل: التخصيص، بأن يقال: إنّ الحالة السياقية للعامّ المجتمع معه الخاصّ، تدلّ على العموم المقتطع منه الخاصّ.

والثاني: حمل الأمر على الاستحباب، بأن يقال: إنّ الحالة السياقية لأمر اجتمع معه الترخيص تدلّ على الاستحباب، إلاّ أنّنا ندّعي أنّ وضع الواضع للحالة السياقية الثانية مخصوص بغير صورة وجود الحالة السياقية الاُولى، وطبعاً ليس المقصود إثبات ذلك بالبرهان، فإنّنا لا نقصد إثبات قاعدة التخصيص بالبرهان، وإنّما نقصد التفسير الفنّي لما هو مسلّم من قاعدة التخصيص.

هذا كلّه في ما لو كان التخصيص بجملة مستقلّة من قبيل: (أكرم العلماء) و(ولا تكرم النحويين). وأمّا ما يكون من قبيل: (أكرم كلّ عالم عادل) فقد مضى أنّ أداة العموم تدلّ


(1) ورد في كتاب السيّد الهاشمي (حفظه الله) عن لسان اُستاذنا الردّ على فرضية وضع سياق العامّ المتّصل بالخاص للعموم المقتطع منه الخاصّ، وأن دعوى هذا الوضع عهدتها على مدّعيها.