المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

550

على أنّ هناك وجهاً آخر غير هذا التقريب لإثبات تقديم الأمارة على البراءة، وهو: أنّ أكثر أدلّة حجّيّة الأمارة نصّ في مورد البراءة، فطبعاً تقدّم على البراءة.

ولنتكلّم في خبر الثقة، ومنه يظهر الحال في حجّيّة الظهور، فنقول: إنّ من جملة ما يستدلّ به على حجّيّة خبر الثقة آية النفر، وهي إن تمّت دلالاتها على حجّيّة خبر الثقة فإنّما دلّت على ذلك بواسطة ما فيها من قصة الإنذار والحذر، وذلك إنّما هو في الأحكام الإلزامية طبعاً، فهي نصّ في مورد البراءة، وكذلك الكلام في آية النبأ بناءً على الاستدلال بها على حجّيّة خبر الثقة، فإنّ موردها هو مورد إقامة الحدّ على بني المصطلق بلحاظ الارتداد التي هي تكليف إلزامي، وكذلك الكلام في قوله: «يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني.. إلخ» فإنّ القدر المتيّقن من معالم الدين يظهر في الإيجابيات، ولو أنّ أحداً اقتصر على سلبيات الإسلام وترخيصاته لا يقال عنه: إنّه أخذ بمعالم الدين، وكذلك الكلام في قوله: «العمري وابنه ثقتان، فما أديّا إليك عنّي فعنّي يؤديان، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما» فإن الاطاعة إنّما تكون في موارد الإلزام.

وأمّا سيرة المتشرّعة فمن الواضح أنّنا لا نحتمل (بحسب ما نعرف من تأريخ المتشرّعة في زمن الائمة (عليهم السلام)، ومن بعدهم، وما ورد من استدلالاتهم، وما عرفناه من أذواقهم ونحو ذلك)أنهم كانوا يعملون بأخبار الثقاة في خصوص الترخيصيّات ولم يكونوا يعلمون بها في الإلزاميات، كما أنّ سيرة العقلاء ـ أيضاً ـ لا يحتمل فيها اختصاصها بالترخيصيّات، كيف والمتيّقن منها هو الإلزاميات، فإنّهم يقولون بقاعدة: قبح العقاب بلا بيان، فالبناء على الترخيص في الترخيصيات ثابت بالأصل الأوّلي من دون تأثير لحجّيّة خبر الثقة فيها.

وبالكلام في السيرة اتّضح حال حجّيّة الظهور.

الجهة الثانية: في تقديم الأمارة على الاستصحاب.

وهنا ـ أيضاً ـ نقول بتقديم الأمارة على الاستصحاب بالأخصّية، فإنّنا لو أخذنا بالأمارة بقي للاستصحاب موارد عدم قيام الأمارة، ولو أخذنا بالاستصحاب لم يبقَ مورد للأمارة(1)، إلاّ حينما يفرض نادراً عدم الحالة السابقة، او توارد الحالتين، أو تساقط


(1) لا يخفى أنّ هنا لا يأتي البيان الماضي عن اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في تقديم الأمارة على البراءة لكونها بمنزلة الأخصّ، فإنّه (رحمه الله) قال هناك: لا يمكن تخصيص حجّيّة الأمارة بفرض مطابقتها للبراءة ؛ لأنّ الشكّ الذي هو جزء الموضوع موضوع للتّأمين في حجّيّة البراءة هو تمام الموضوع له في البراءة، فضمّ الجزء الآخر وهو الأمارة إلى ما