المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

213

إلاّ أنّ هذا البيان بهذا المقدار يكون ناقصاً، لأنّه قد يتّفق أنّ موضوع الحكم الثابت في صقع الاعتبار النفساني في نفس المولى لم يكن له حدوث وبقاء حتّى لدى النظر إليه بنظرة الحمل الأوّلي، كي يتمّ للحكم بتبع موضوعه حدوث وبقاء بنظرة الحمل الأوّلي.

مثال ذلك: أنّ إيجاب المولى للجلوس في ساعتين مثلاً يمكن أن يتصوّر بنحوين:

الأوّل: أن تكون الساعتان موضوعاً لوجوب الجلوس، فبما أنّ هذا الموضوع يرى له بنظرة الحمل الأوّلي امتداد وحدوث وبقاء يرى للحكم ـ أيضاً ـ بهذه النظرة نفس الامتداد والحدوث والبقاء، فيكفي لتوضيح تصوير الاستصحاب ما ذكرناه من البيان.

والثاني: أن تؤخذ الساعتان قيداً لمتعلّق الحكم وهو الجلوس، لا موضوعاً للحكم، فالجلوس بقدر الساعتين يجب دفعة واحدة، وذلك بأن يكون الوجوب بلحاظ الساعة الثانية قبل الواجب كما يتعقّله القائلون بإمكان الواجب المعلّق، بل يتعقّله حتّى المنكرون لذلك، فإنّهم يعترفون بأنّ صلاة الظهر مثلاً تصبح بكل أجزائها واجبة بمجرّد الزوال، وليست تجب تدريجاً بتدرّج الصلاة، وقد جُعِل مثل هذا نقضاً على من ينكر الوجوب التعليقي، وسواءً صحّ هذا النقض أو لم يصحّ نقول: إنّ مثل هذا الوجوب معقول عند الكلّ فإذا وجب الوقوف بعرفات مثلاً بهذا النحو من الوجوب، وتردّد مقداره بين الأقلّ والأكثر فيقال: ليس الوجوب هنا حتّى بنظرة الحمل الأوّلي شيئاً ممتدّاً له حدوث وبقاء؛ لأنّنا حينما ننظر إلى هذا الوجوب الذي هو اعتبار نفساني ولو بنظرة الحمل الأوّلي نرى أنّه يوجد دفعة واحدة بكلّ أجزائه، أي: إنّ مجرّد مسامحة العرف للعدول عن النظر إليه بما هو واقعه بنظرة الحمل الشائع إلى النظر اليه بما هو عنوانه لا يشفع لفرض حدوث وبقاء له، فكيف يجرى الاستصحاب؟!

ولتعميم الوجه المختار بحيث يشمل مثل هذا الفرض نقول: إنّ هناك مسامحة اُخرى ـ أيضاً ـ عرفيّة ووجدانيّة كالمسامحة السابقة، أي: مسامحة النظر بالحمل الاوّلي لا بدّ من ضمّها إلى تلك المسامحة، وهي: أنّ الحكم يُرى عرفاً تابعاً لمتعلّقه في تصوير الامتداد له وكأنّه ثوبٌ خيط على قدّه، أو عرضٌ تابع لمعروضه في الامتداد الزماني، فيُرى لهذا الحكم حدوث وبقاء، فيجري الاستصحاب. ويشهد لهذه المسامحة ـ أيضاً ـ عدم خطور الإشكال في هذا الاستصحاب على بال أيّ واحد منهم إلى يومنا هذا.