المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

609

والمحقّق النائيني(قدس سره) تعرّض ـ أيضاً ـ الى ذكر التهافت الذي أشرنا إليه أخيراً وحللناه من التفرقة بين من رغب في المعاملة الغبنيّة ومن رغب في الغسل أو الوضوء مع الضرر، وذكر(قدس سره) في مقام حلّه: أنّ الفرق نشأ من ناحية أنّ الإرادة في مثال المعاملة الغبنيّة فوق الحكم ولا تكون مقهورة له، وفي مثال الغسل والوضوء يكون تحت دائرة الحكم وفي مرحلة الامتثال، فهي مقهورة للحكم(1).

وهذا الجواب لا محصّل له، وكأنّه نشأ من ضيق الخناق، فإنّه إذا كانت له في ذاته رغبة إلى العمل فأيّ معنىً لفرض إقدامه وإرادته مقهوراً تحت الحكم؟!

ثمّ إنّ ظهر لك الضابط للإقدام الذي يكون مانعاً عن جريان (لا ضرر) تعرف عدم صحّة ما ذكر في المقام من عدم جريان (لا ضرر)؛ لأجل الإقدام في جملة من الفروع: منها ما مضى من مسألة الإقدام على الجنابة مع العلم بمضريّة الغسل، ومنها مسألة من استعار، أو استأجر أرضاً، أو خشبة فزرع الأرض، أو وضع الخشبة في بناء بيته ثم انتهى وقت الإجارة، أو العارية فطالب بها صاحبها، وكان ردّها إليه مستلزماً لخراب الزرع أو البيت.

 


بالشراء وبلزوم العقد من طرف البايع، ولا رغبة له في لزوم العقد من طرفه، وإنّما أقدم على هذا اللزوم من باب أنّ اللزوم من هذا الطرف واللزوم من ذاك الطرف متلازمان، والرغبة لا تسري من أحد المتلازمين الى الآخر، فإنّ الرغبة لا تسري من شيء الى شيء آخر بالتبع، إلّا بنكتة المقدّميّة، فتسري الرغبة من أحد المتلازمين الى علّته، ولا تسري الى ملازمه ابتداءً ولا بواسطة العلّة؛ لأنّ سريانه الى الملازم الآخر بواسطة العلّة يعني سريان الرغبة من العلّة الى المعلول، وقد قلنا: إنّ هذا لا يكون، أو قل: إنّ إبطال الشريعة لأحد المتلازمين لا يوجب بطلان المتلازم الآخر، فإذا كان المطلوب بالذات هو المتلازم الآخر لم يكن إبطال المتلازم الأوّل خلاف الامتنان، وعلى أيّة حال فمن الواضح أنّ جريان (لا ضرر) في المقام لرفع اللزوم من طرف المغبون امتناني، فإذا كان السبب في اشتراط قاعدة (لا ضرر) بعدم الإقدام على الضرر هو امتنانيّة القاعدة، فهذا لا يوجب عدم جريان (لا ضرر) في المقام.

نعم، يمكن تبرير عدم جريان (لا ضرر) في البيع الغبني لمن دخل فيه عالماً عامداً بوجه آخر وهو: أنّ الشرط الضمني الارتكازي يقتضي في المقام عدم الخيار للمغبون على الغابن، أي: أنّ الغابن دخل في هذه المعاملة بناءً على كونها معاملة مستقرّة، ولعلّه لم يكن يقبل بها لو كان يعلم أنّ صاحبه سيفسخ، وهذا الشرط الارتكازي يعطي في نظر العقلاء في مورد علم المغبون بالغبن حقّاً للغابن في اللزوم.

(1) راجع قاعدة (لا ضرر) للشيخ موسى النجفي، ص 217.