المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

606

امتنانيّة القاعدة، باعتبار أنّ نفي الضرر إنّما يكون امتنانيّاً إذا لم يكن الشخص مُقدماً على الضرر، كما سوف يأتي بيانه إن شاء اللّه. والظاهر من القاعدة أنّها تنظر الى موارد امتنانيّة نفي الضرر حتّى تجري، فهي لا تنظر الى عدم الإقدام الناشىء من نفس (لا ضرر)، وإلّا لكان معنى ذلك: أنّ (لا ضرر) بنفسها تكوّن مورد الامتنان ثمّ تجري.

وقد تحصّل من تمام ما ذكرناه: أنّ الإقدام على الضرر ثابت في باب الإجناب العمدي لما عرفت من أنّ العبرة بالإقدام لولا (لا ضرر)، أو قل: إنّ العبرة بالإقدام لو وجب الغسل، ومن المعلوم أنّه لو لم تكن (لا ضرر) جارية، وكان وجوب الغسل مترتّباً على الإجناب فقد تحقّق منه الإقدام على ذلك حتما، ومن هنا ننتقل الى الأمر الثاني.

الأمر الثاني: في أنّ (لا ضرر) هل هو مقيّد بعدم أيّ إقدام على الضرر، أو بعدم إقدام خاصّ ليس منه الإقدام في مسألة الغسل؟

لا إشكال في أنّ تقييد قاعدة (لا ضرر) بعدم الإقدام ليس من ناحية ذكر كلمة (الإقدام) في نصّ القاعدة واشتراط عدمه حتّى يتكلّم فيما هو المستفاد عرفاً من كلمة (الإقدام)، وأنّه هل يشمل كلّ إقدام، أو لا ؟

وإنّما الوجه في اشتراط الإقدام هو كون حديث (لا ضرر) بحسب مناسبة الحكم والموضوع محمولاً على الامتنان، وإذا كان للعبد غرض عقلائي في تحمّل ضرر ورَفَعَه الشارع بـ(لا ضرر) كان ذلك خلاف الامتنان عليه، واُقصد بذلك كونه خلاف الامتنان بحسب النظر العرفي الساذج، وإلّا فقد يكون صلاحه الواقعي في منعه عن هذا الضرر، فليس ذلك خلاف الامتنان واقعاً، ولكنّ المولى حينما يذكر صيغة امتنانيّة في تشريع قانون لعبيده تحمل على الامتنان بالنظر البسيط الموجود عند العبيد، فمثلاً: حينما يريد الأب أن يكلّم ولده بلغة العطف والامتنان لا يُظهر الامتنان عليه بما صدر منه من منعه عن التوصّل الى جملة من أغراضه وإن كان ذلك بحسب الواقع في صالحه، وإنّما يمنّ عليه بأنّه أعطاه المال وذهب به الى المنتزه الفلاني ونحو ذلك ممّا يناسب ذوق الولد.

نعم، لو فرض أنّ الضرر الذي أقدم عليه العبد لم يكن فيه غرض عقلائي، وإنّما كان لمجرّد غرض سفهي، فهنا يثبت الامتنان العرفي في رفعه، ويشمله حديث (لا ضرر) بإطلاقه.

أمّا إذا كان إقدامه على الضرر إقداماً عقلائيّاً، فهنا تارة يفرض أنّ الغرض قد