المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

601

الشرعي، وهذا القانون منطبق على باب الغسل؛ لأنّ إرادة الإجناب إنّما هي قبل الحكم، فإنّ الحكم إنّما يتحقّق بالإجناب، وإرادة الغسل مقهورة للحكم الشرعي.

وأمّا في مثال الغبن فبعد أن حكم الشارع مثلاً بصحّة البيع الغبني، ولزومه أراد المكلّف إيجاد ذلك في الخارج، ولو لم يفعل لما ترتّب الضرر خارجاً، ولم يكن ملزماً بإيجاد ذلك، فهنا توسطت الإرادة غير المقهورة بين الحكم والضرر.

وهذا جوابه واضح، فإنّه خلط بين الجعل والمجعول؛ إذ لو إُريد بالحكم والتكليف الذي توسّطت الإرادة بينه وبين الضرر الجعل، فالتوسّط ثابت في كلا الموردين، فإنّ الحكم بوجوب الغسل على المجنب كان ثابتاً قبل إرادته للإجناب، ولم يكن ملزماً شرعاً بإجناب نفسه، وإن اُريد بذلك المجعول فلا توسّط لإرادة غير مقهورة في شيء من الموردين، فإنّ فعليّة الحكم وتحقّق المجعول في باب الغبن ـ أيضاً ـ فرع إيجاده للبيع الغبني، فإرادته لذلك واقعة قبل الحكم.

التقريب الثاني: أنّ الضرر في باب الغسل هو تمرّضه بالاغتسال في الماء مثلاً، وهذا الضرر ثابت حتى لو كان إجنابه عمديّاً، وأمّا في باب البيع الغبني فالضرر هو تخلّف حقّ التساوي الثابت بالشرط الضمني، وهذا الضرر في صورة العمد والعلم غير موجود؛ لعدم الشرط الضمني فلا يوجد هذا الحقّ.

وهذا الكلام بهذا المقدار ناقص يحتاج الى متمّم: وهو أن يقال مثلاً: إنّ حقّ التساوي أوجب حقّ الخيار بنظر العقلاء، أو بشرط ضمنيّ آخر، فعدم هذا الحقّ ضرر ينفى بـ(لا ضرر).

وعلى أيّ حال، فهذا التقريب ـ أيضاً ـ غير تامّ؛ لما مضى من إمكان تطبيق (لا ضرر) على الضرر المالي الموجود في المقام، ومن الواضح ثبوت الضرر المالي في حال العمد أيضاً كما في الضرر في باب الغسل.

التقريب الثالث: المحتمل في كلام المحقّق النائيني(قدس سره): هو ما نقله المحقّق العراقي(1)(قدس سره) عن اُستاذه المحقّق الخراساني(رحمه الله) من وجود فرق بين المسألتين: وهو أنّ البيع الغبني بنفسه ضرر، فهو قد أقدم متعمّداً على الضرر، و (لا ضرر) مشروط بفرض عدم الإقدام، وأمّا في باب الجنابة فالضرر ليس هو الجنابة التي أقدم عليها، وإنّما الضرر هو وجوب الغسل، وهو لم يقدم على ذلك، وإنّما أقدم على الجنابة.


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 123.