المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

595

ويرد عليه بغضّ النظر عن أنّ ما اعتمدنا عليه إنّما هو الحديث غير المشتمل على كلمة (في الإسلام) وليس النصّ المشتمل عليها معتبراً: أنّ الإسلام عبارة عن حدود معيّنة للبشر من قبل اللّه تعالى سواء كانت وجوديّة، أو عدميّة بمعنى عدم التحريم وإطلاق العنان.

فتحصّل: أنّ الحديث يشمل عدم الحكم إذا كان ضرريّاً كما يشمل الحكم الضرري، بلا حاجة في إثبات ذلك الى بعض التكلّفات، كالقول بأنّ الإباحة وعدم الإلزام وإن كان في الواقع أمراً عدميّاً، لكنّها بالمسامحة العرفيّة أمر وجودي، أو القول بأنّ الإباحة أمر وجودي كباقي الأحكام الخمسة، فترفع بالحديث إذا كانت ضرريّاً.

والصحيح أنّها ليست إلّا عبارة عن عدم الإلزام، ثمّ لو فرض كونها أمراً وجوديّاً فنفيها بـ(لا ضرر) لا فائدة فيه، فإنّ نفي الإباحة لا يدلّ على الحرمة، وما لم تثبت الحرمة لا يرتدع العبد، ولا وجه لتخيّل ثبوت الحرمة بنفي الإباحة إلّا أحد أمرين:

الأوّل: دعوى أنّ الشيء لا يخلو من أحد الأحكام الخمسة، فنفي الإباحة دليل على الحرمة.

ويرد عليه: أن ما تُتخيّل دلالته على عدم خلوّ كلّ قضية من أحد الأحكام الخمسة إنّما يدلّ على أنّ الشريعة لا تكون ناقصة، ويكفي في عدم نقصها تعيين موارد ثبوت الحكم عن موارد عدم الحكم والإلزام.

الثاني: أنّ نفي الإباحة يدلّ عرفاً على الحرمة بقرينة اللغويّة مثلاً، وهذا إنّما يتمّ إذا نفيت الإباحة بالخصوص، لا في مثل (لا ضرر) الدالّ بإطلاقه على نفي الإباحة، فإن كان الإطلاق لغواً لم ينعقد، لا أنّه ينعقد ويُحتاج في توجيهه الى الالتزام بثبوت الحرمة.

وأمّا لزوم تأسيس فقه جديد من القول بشمول (لا ضرر) للأعدام الضرريّة فقد ذكر ذلك المحقّق النائيني(رحمه الله) ومدرسته، واستعرض المحقّق النائيني(قدس سره) لتوضيح ذلك فروعاً، نحن نقتصر على ذكر أهمّها، وهو فرعان:(1)

الفرع الأوّل: مسألة الطلاق، فذكر(قدس سره): أنّه لو قلنا بتعميم القاعدة للعدميّات، لزم أن نرفع به عدم ولاية الطلاق للمرأة، أو وليّها، أعني الحاكم الشرعي عند ضرريّة ذلك كما، إذا كان الزوج لا ينفق عليها عصياناً، أو لعدم القدرة على الإنفاق، كما إذا كان معسراً.


(1) راجع قاعدة (لا ضرر) للشيخ موسى النجفي، ص 221.