المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

587


من كلمة (لا ضرار) غير ما يستفاد من كلمة (لا ضرر) تتوقّف على الاعتراف بأنّه أخذ في حاقّ مفاد (الضرار) معنى الحرمة؛ وذلك لأنّه لو لم يكن قد أخذ في حاقّ مفاده الحرمة فالضرار على أيّ حال نوع من الضرر، فنفي الضرر في قوله (لا ضرر) نفي له، ولا يبقى للإضرار مفاد جديد. وهذا بخلاف ما إذا كانت الحرمة مأخوذة في مفاده، فعندئذ يقال: إنّ (لا ضرر) نفي لذات الضرر، وهو نفي للحكم المنتهي الى ذات الضرر، وإذا كان ذاك الحكم هو الجواز فلا ضرر يدلّ على حرمة الضرر.

أمّا (لا ضرار) فبما أنّه قد اُخذ في مفاد كلمة (الضرار) الحرمة فليس نفيه نفياً للحكم المؤدّي الى الضرار وهو الجواز مثلاً؛ لأنّ المفروض مسبقاً أنّ مرتكبه مقدم على الحرام، فنفي الجواز لا ينتهي الى نفي الضرار، إذن فالكلام محمول على قلع السبب الذي به يتذرّع المضارّ في ضراره، وإن كان ذاك السبب لم يسوّغ له الضرر، وهو في قصّة سمرة عبارة عن وجود الشجرة في بيت الأنصاري أو حقّه في وجودها هناك.

وهذا البيان كما ترى يباين البيان الذي سبق منه (رحمه الله) لدى البحث عن مفردات الحديث حيث ذكر: أنّ الضرار عبارة عن الضرر مع أخذ شيء من التأكّد والتعمّق فيه، وهذا التأكّد والتعمّق قد يكون بلحاظ الجانب الخارجي للضرر وهو عبارة عن شدّة الضرر أو طوله ونحو ذلك، وقد يكون بلحاظ الجانب النفسي من الضرر، وهو عبارة عن تعمّده وتصيّده والتفنّن فيه ونحو ذلك من التعابير، وبما أنّ إرادة الأوّل تؤدّي في المقام الى كون (لا ضرار) تكراراً لما يستفاد من (لا ضرر) فيتعيّن كون المقصود هو الثاني، أعني تصيّد الضرر والتفنّن فيه.

أقول: إذا اُخذ التصيّد والتفنّن في مفاد الضرار فقد يقال: إنّه حتّى لو لم تؤخذ الحرمة في مفاده يكون (لا ضرار) معطياً لمعنى جديد غير مستبطن في (لا ضرر)؛ لأنّ (لا ضرر) إنّما ينفي الحكم الذي ينتهي الى الضرر، وأمّا (لا ضرار) فبنكتة أخذ التصيّد، والتفنّن في مفاد كلمة (الضرار) ينصرف الى نفي الحكم الذي تصيّد المضارّ منه الضرر وتفنّن فيه للوصول الى ذلك، وهذا الحكم تارة يكون عبارة عن نفس الجواز، كجواز الدخول على الأنصاري بلا استئذان، فهو منفي بـ(لا ضرار) كما هو منفي بـ(لا ضرر)، واُخرى يكون عبارة عن حقّ سمرة لبقاء الشجرة هناك بـ(ضرر)، وهذا إنّما يكون سبباً لتصيّد الضرر منه بعد قراره لمخالفة الحكم الأوّل، وهو نفي الجواز الذي استفيد من (لا ضرر) و (لا ضرار)، وهذا ـ أيضاً ـ يصبح منفياً بـ(لا ضرر)؛ لأنّه وإن لم يكن حكماً ضرريّاً في نفسه، لكنّه حكم يتصيّد منه الضرر.

وعلى أيّ حال، فالظاهر أنّ الضرار معناه تعمّد الإضرار، بمعنى أن يكون هدف الشخص ممّا يفعله هو الإضرار، كما يستفاد ذلك من بعض الروايات من قبيل:

1 ـ ما ورد بسند تامّ عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه سئل عن رجلين كان بينهما