المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

586

 

 

 

فقه جملة (لا ضرار)

 

المقام السادس: في فقه الحديث بلحاظ جملة (لا ضرار).

إنّ المفهوم عرفاً من الضرار هو تعمّد الإضرار بلا حقّ، وهذا ما ينبغي أن يقصد بما مضى من أنّ الضرار هو تعمّد الإضرار والتفنّن فيه.

والحديث إن كان مقتصراً على جملة (لا ضرار) لكان نافياً للحكم الذي يأتي منه الضرر سواء كان الحكم بذاته ضرريّاً كما في الحكم بلزوم البيع الغبني، أو كان ضرريّاً بتوسّط إرادة مقهورة تحت الحكم الشرعي، أو قل: كان ضرريّاً باعتبار امتثاله كما في وجوب الوضوء الضرري، أو كان ضرريّاً بتوسّط إرادة غير مقهورة للحكم الشرعي، أي: باعتبار أنّ المكلّف بسوء اختياره يستغلّ الحكم الشرعي فيضرّر به، كما في جواز الدخول لسمرة حتّى بنحو ضرري، فإنّه لو جاز له ذلك كان ضرريّا على الأنصاري، باعتبار أنّ سمرة قد يختار النحو الضرري. و(لا ضرر) ينفي الضرر الناشىء من الحكم الشرعي في كلّ هذه الأقسام الثلاثة. ونتيجته هي رفع هذه الأحكام، فيرتفع لزوم البيع، وينتفي وجوب الوضوء، ويحرم على سمرة الدخول بلا استئذان، ولكنْ إن كان سمرة عاصياً لهذا الحكم وكان يدخل بلا استئذان، فعلاج أمره وهو قطع الشجرة لا يظهر من (لا ضرر)، فإّن حقّه الشرعي في إبقاء الشجرة إنّما ترتّب عليه الضرر باعتبار أنّ سمرة خالف حكماً شرعيّاً، وعمل عملاً حراماً فضرّر الأنصاري، فلا يرتبط ذلك بـ(لا ضرر) وهنا يصل دور (لا ضرار)، فإنّ نفي الضرار ليس مفاده كمفاد نفي الضرر الذي كان يفيد في المقام حرمة الفعل الضرري على سمرة؛ لأنّ الضرار قد اُخذ في حاقّ مفاده معنى الحرمة ـ على ما مضى ـ فلا ضرار نفي للضرر الحرام بلحاظ ما في الشريعة، لا نفي للضرر بلحاظ ما في الشريعة، ومعنى

 

ذلك: نفي سبب وقوع الضرر الحرام، وسببه هو حقّ إبقاء الشجرة، فيرتفع هذا السبب، فيقطع الأنصاري شجرته ويلقيها في وجهه ويستريح منها(1). وطبعاً اتّخاذ


(1) لا يخفى أنّ كلام اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في هذا المقام يوحي بأنّ استفادة مطلب جديد