المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

541

القسم الثاني: ما يمكن نفي أصل الحكم به، كما في «لا رهبانيّة في الإسلام ولا غش» ونحو ذلك . وهذا يكون بأحد وجوه ثلاثة:

الأوّل: أنّ موضوع الحكم موجود في عالم التشريع بوجود نفس الحكم، فإنّ الحكم له موضوع لا محالة، كما أنّ له محمولاً، فإذا وجد في عالم التشريع فقد وجد بموضوعه ومحموله، فلموضوع الحكم وجود من سنخ وجود الحكم، وبنفيه ينتفي الحكم لا محالة، فيمكن نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بهذا النحو، بشرط أن يكون ثبوت الحكم لذلك الموضوع مترقّباً ومأنوساً في ذهن العقلاء؛ لكونه ثابتاً في الشرايع السابقة، أو لكونه ثابتاً عند العقلاء مثلاً حتّى يكون بيان نفي ذلك الحكم بنفي هذا الموضوع عرفيّاً، فالرهبانيّة مثلاً كانت موجودة في المسيحيّة ونفيت في الإسلام. وهذا الوجه هو الذي ذكره المحقّق الاصفهاني(قدس سره)في المقام.

ولكنّ الصحيح: أنّ هذا ليس وجهاً عرفيّاً، ولذا ترى أنّه لا يتمّ في نفي الحكم التحريمي، فلا يقال مثلاً: «لا طلاق في الإسلام» بمعنى نفي حرمته، كما يقال: « لا رهبانيّة في الإسلام» بمعنى نفي استساغته، مع أنّه كما كانت الرهبانيّة مستساغة في المسيحيّة، كذلك كان الطلاق حراماً في المسيحيّة، فلئن صحّ نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بهذه النكتة فهي نكتة مشتركة بين فرض كون الحكم استساغيّاً وكونه تحريميّاً، فإنّ الموضوع في الحكم التحريمي ـ أيضاً ـ له وجود في عالم التشريع من سنخ وجود حكمه، فلماذا لا يصحّ ذلك في الحكم التحريمي؟! نعم هذا الوجه قد يتمّ في بعض الموارد بعنايات فائقة من تصريح، أو غير ذلك.

الثاني: أن ينفى الحكم بنفي الوجود الاستساغي للموضوع.

توضيح ذلك: أنّ كلّ شيء يكون محكوماً بحكم استساغي في شريعة يكون له وجود استساغي في تلك الشريعة، وبهذا الاعتبار يقال مثلاً: إنّ شرب الخمر غير موجود في الإسلام، وهذا النحو من الوجود ليس هو ما مضى من وجود الموضوع بوجود حكمه، فإنّه بذلك المعنى يكون شرب الخمر ـ أيضاً ـ موجوداً في الإسلام، فإنّ نسبة الحرمة إليه كنسبة الحكم الاستساغي الى ما يستساغ، وإنّما هذا النحو من الوجود يكون باعتبار أنّ ما يستساغ في شريعة يوجد خارجاً في العالَم الذي طبّقت عليه تلك الشريعة، فكأنّه فرض بهذه المناسبة أنّ له نحو وجود في تلك الشريعة، فإذا نُفي هذا الوجود له في الشريعة نُفي بذلك الحكم الاستساغي فيها وبهذا يظهر السرّ في صحّة قولنا: «لا رهبانيّة في الإسلام» بداعي نفي استساغته، وعدم صحّة