المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

538

أنّ ما يكون مستساغاً (1) في شريعة، أو قانون يفرض له نحو وجود في تلك الشريعة، أو ذلك القانون فيقال مثلاً: الرهبانيّة موجودة في المسيحيّة وغير موجودة في الإسلام، والبيع موجود في الإسلام، لكنّ الربّا غير موجود فيه، فيقصد بالوجود هنا هذا المعنى من الوجود، وعلى هذا فالجملة تكون إخباراً صرفاً عن نفي الضرر، وتفيد حرمته.

الثالث: أن يفرض أنّ (لا) استعمل في الإخبار عن نفي الضرر لكنّ المراد الجدّي منه هو النهي عنه، من قبيل استعمال الجملة الخبريّة في الخبر وإرادة الأمر منه جدّاً في مثل: يصلّي ويسجد ونحو ذلك، فتدلّ الجملة ـ عندئذ ـ على النهي عن الضرر كالأوّل، لكنّها تدلّ عليه بالكناية، وفي الأوّل كان النهي هو المدلول الصريح للكلام.

الرابع: أن يفرض أنّ (لا) استعمل في إنشاء النفي، والمراد الجدّي هو إنشاء النهي، من قبيل أنّ الشخص ينشىء لشخص آخر جواز التصرّف في كتاب له مثلاً، فيقول: «تصرّف في هذا الكتاب»، ويكون المراد الجدّي له هو إنشاء الملكيّة، ففيما نحن فيه ـ أيضاً ـ يقصد إنشاء النهي، لكنّه يستعمل الكلام في إنشاء النفي.

توضيح ذلك: أنّه حيث إنّ سبب الضرر وهو إجازة الشارع يكون تحت السلطان التشريعي للمولى، فكأنّه يفرض أنّ المسبّب وهو الضرر يكون تحت سلطانه التشريعي، فيُفنيه تشريعاً، وهذا معنى إنشاء النفي.

وأمّا الوجوه التي تنتج الاتّجاه الفقهي الأوّل، وهو نفي الحكم الضرري فثلاثة:

الأوّل: أنّ الضرر المنفيّ اُريد به الحكم الضرري، كما يظهر من الشيخ الأعظم(قدس سره)، وذهب إليه المحقّق النائيني(رحمه الله) ومدرسته.

الثاني: أنّه اُريد بالضرر المنفيّ الحالة الضرريّة التي تطرأ على المكلّف من ناحية الحكم الشرعي، فيُنفى ـ لا محالة ـ ذلك الحكم الضرري.

الثالث: أنّه اُريد بالضرر الموضوع الضرري على حدّ نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، وهو ما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله) .

أمّا الوجه الأوّل: فتصويره يكون بأحد وجوه ثلاثة:

1 ـ أن يكون على حدّ المجاز في الحذف، فـ(لا ضرر) معناه لا حكم ينشأ منه


(1) المقصود بالاستساغة هنا الإباحة بالمعنى الأعمّ الشامل لفرض الوجوب أيضاً.