المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

492

مساوق لفعل ذلك الضدّ، ففي طول تركه لا معنى للأمر بهذا الضدّ والبعث نحوه، ومقامنا من هذا القبيل؛ لإنّ الجهر والإخفات لا ثالث لهما.

وأجاب السيّد الاُستاذ: بأنّ الترتّب ليس بين الجهر والإخفات، وإنّما هو بين القراءة الجهريّة والقراءة الإخفاتيّة، ولهما ثالث وهو ترك القراءة(1).

أقول: إنّ كلاّ من الإشكال والجواب غير صحيح في المقام، فإنّ الترتّب بحسب الدقّة ليس بين الجهر والإخفات ولا بين القراءتين، بل بين الصلاة الجهريّة والصلاة الإخفاتيّة.

والبرهان على ذلك: أنّ الأمر بالقراءة أمر ضمني، فلا بدّ من تعدّد الأمر الاستقلالي بالصلاة الذي هو في ضمنه؛ إذ لو اتحدّ الأمر بالصلاة وتعدّد الأمر بالقراءة أو بالجهر والإخفات، فإمّا أنّ الأمرين بالقراءة أو بالجهر والإخفات أو أحدهما استقلالي، وهذا خلف؛ لأنّنا لسنا بصدد تصوير واجب مستقل كما مضى في الفرضية الثانية، وإمّا أنّهما معاً ضمنيّان، وعندئذ فالأمر بالصلاة قد اشتمل على أمرين ضمنيين: الأمر بالقراءة الإخفاتيّة، والأمر بالقراءة الجهريّة، فإن لم يؤخذ ترك إحدى القرائتين قيداً لا في الواجب ولا في الوجوب لزم الجمع بين القراءتين، وهذا خلف المفروض. وإن اُخذ ترك إحداهما قيداً (ولنفرضه ترك القراءة الاخفاتيّة) فالتقييد يكون بأحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: أن يؤخذ قيداً في الوجوب للأمر النفسي الاستقلالي المتعلّق بالكلّ، وهذا محال، فإنّ هذا معناه أن يقيّد الأمر بالكلّ المشتمل على القراءتين بترك إحداهما.

الثاني: أن يكون الوجوب الضمني المتعلّق بالقراءة الجهريّة مقيّداً بترك القراءة الإخفاتيّة من دون أن تكون سائر الوجوبات الضمنيّة مقيّدة، وهذا ـ أيضاً ـ غير معقول؛ لأنّ الوجوب الضمني ليس له جعل مستقلّ حتّى يكون له قيد مستقل، بل وجوده وجود تحليلي، والاشتراط في عالم الجعل فرع الوجود في عالم الجعل، والوجوب الضمني ليس له وجود في عالم الجعل، وإنّما يكون له وجود بعد التحليل، وعالم الاشتراط هو عالم الجعل، والموجود في عالم الجعل إنّما هو الأمر الاستقلالي بالكلّ.


(1) راجع أجود التقريرات: ج 1، ص 311.