المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

477

كثيرة لا يسع الوقت لتمامها وهو قادر على الإتيان بأيّ واحد منها شاء، فهو قادر حتماً على الإتيان بالتكليف الواقعي وإن لم يقدر على تحصيل الامتثال القطعي، ففي هذا الفرض يكون التكليف ثابتاً وفعليّاً في ظرفه، وفي مثل ذلك يحكم العقل قبل الوقت بالإتيان بما يمكّنه من الموافقة القطعيّة لذلك التكليف الثابت الفعلي في ظرفه، كما يحكم العقل بلزوم الإتيان بما يمكّنه من الموافقة القطعيّة لتكليف فعلي في الحال.

إذن فالإشكال إنّما تكون له صورة فنّيّة فيما إذا كانت القدرة على الامتثال موقوفة على التعلّم قبل الفحص بحيث يكون ترك التعلّم رافعاً لموضوع التكليف الذي هو القدرة، فيقال ـ عندئذ ـ: إنّه لا محذور في ترك التعلّم؛ لأنّه لا يؤدّي بنا الى مخالفة التكليف، بل يرفع موضوع التكليف، وحفظ موضوع التكليف غير واجب عقلاً.

وهذا في الحقيقة داخل في بحث المقدّمات المفوّتة، وأجوبة الأصحاب عن ذلك كانت ترجع تارة الى المناقشة في الصغرى ببيان أنّ هذا ليس داخلاً في باب المقدّمة قبل الوقت، واُخرى إلى المناقشة في الكبرى ببيان أنّه لا مانع من وجوب المقدّمة قبل حلول وقت وجوب ذي المقدّمة.

أمّا القسم الأوّل من الجواب فهو ما قد يقال كما في الكفاية(1) من فرض إرجاع الأمر الى مثل الواجب المعلّق والمشروط، ففيما نحن فيه يقال: إنّ من بلغ سنّ التكليف لا يدري أنّ أيّ حكم من الأحكام سوف يصبح فعليّاً بشأنه في زمن قريب، وأيّ حكم سوف يفوته للجهل أو الغفلة مثلاً لو ترك التعلّم، فيجب عليه تعلّم الأحكام من أوّل أزمنة البلوغ هرباً من الوقوع في ورطة المخالفة الناشئة من ترك التعلّم، ويكون المبرّر لهذا الوجوب هو أنّ تمام الواجبات يكون وجوبها ثابتاً عليه من أوّل البلوغ، فترشّح الوجوب منها الى التعلّم.

وهذا الوجه قد يتكلّم فيه بلحاظ مرحلة الثبوت، واُخرى بلحاظ مرحلة الإثبات.

أمّا بلحاظ مرحلة الثبوت فالبحث في مثل هذه الصناعات من الواجب المعلّق والمشروط قد مضى في مبحث مقدّمات الواجب فلا نعيده هنا، وإنّما نتعرّض هنا لكلام المحقّق العراقي(قدس سره) مع جوابه؛ لاختصاصه بخصوص مثل ما نحن فيه من


(1) ج 2، ص 259 حسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.