المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

470

المأخوذ عدمه فى قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) ليس المراد منه خصوص البيان الواصل بالفعل، بل البيان الذي هو في معرض الوصول، وبما أنّ المفروض في المقام أنّ البيان في معرض الوصول موجود في محلّه فلا يقبح العقاب، فإذا بنينا على عدم جريان البراءة العقليّة قبل الفحص بأحد هذين البيانين المشهورين لا يبقى مجال لكلامه (قدس سره).

وثانياً: أنّنا لو سلّمنا أنّ البراءة العقليّة جارية حتّى في موارد الشكّ قبل الفحص قلنا مع ذلك: إنّ كلامه (قدس سره) غير صحيح على مبناه؛ وذلك لأنّه(قدس سره) في مسألة الشكّ قبل الفحص استدلّ على وجوب الاحتياط بالعلم الإجمالي بالتكاليف الواقعيّة، وأنكر انحلال هذا العلم الإجمالي، وذكر أنّ هذا العلم الإجمالي بوجود تكاليف في الجملة مدرجة في كتاب الوسائل ينجّز تمام التكاليف الموجودة في كتاب الوسائل، ولم يوافق (قدس سره)على انحلاله قبل تماميّة الفحص، فكيف يقول (رحمه الله) هنا بعدم تماميّة البيان ؟! ولو سلّمنا جريان قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) في الشبهة البدويّة قبل الفحص، فلا نسلّم جريانها في موارد العلم الإجمالي.

أمّا لو تنزّلنا عن كلا هذين الإشكالين، وفرضنا عدم العلم الإجمالي، وعدم ورود إشكال عدم الفحص، فعندئذ يتمّ ما ذكره(قدس سره) من أنّ العقاب يكون على المجموع وعلى ترك مخصوص، وهذا هو الذي ينبغي أن يوجّه به العقاب في ترك الاحتياط بعد الفحص بناءً على ما يقوله الأخباري من وجوب الاحتياط.

وهذا الكلام قد يتراءى في بادىء الأمر أنّه لا محصّل له؛ لأنّه إذا استحال العقاب على مخالفة الخطاب الواقعي في نفسها، واستحال كذلك العقاب على مخالفة الخطاب الطريقي في نفسها، فضمّ ما لا يمكن العقاب عليه الى ما لا يمكن العقاب عليه كيف ينتج موضوعاً يمكن العقاب عليه؟!

إلّا أنّ الصحيح هو أنّ العقاب يكون على المجموع وعلى ترك مخصوص ببيان: أنّ قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) موضوعها في نظر العقل (على تقدير تسليم القاعدة) إنّما هو الشكّ في التكليف مع الشكّ في اهتمام المولى به لدى الشكّ على فرض وجوده، فكما يرتفع موضوعها ببيان التكليف كذلك يرتفع موضوعها ببيان أهتمامه به على فرض وجوده، فلو أوجبَ الشارع الاحتياط كان ذلك بياناً لاهتمامه بالتكليف على فرض وجوده، وارتفع بذلك موضوع قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) فيعاقب على مخالفة الواقع الذي دلّ الدليل على وجوب الاحتياط تجاهه.