المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

469

المحقّق النائيني (رحمه الله) على ما في تقرير بحثه(1): أنّ العقاب ليس على ترك الواقع في نفسه فإنّه في نفسه غير مبيّن، فيقبح العقاب عليه عقلاً، ومجرّد أنّ المولى حكم بوجوب الفحص أو الاحتياط تجاهه لا يجعل غير المبيّن مبيّناً وغير الواصل واصلاً، ولا على مخالفة الخطاب الآخر بما هو؛ لأنّه خطاب طريقي وليس خطاباً نفسيّاً، فإنّ الظهور العرفي في مثل الأوامر بالتعلّم، والسؤال، والاحتياط ونحو ذلك من العناوين التي يكون لها دخل في التوصّل الى امتثال تكليف آخر يقتضي كونها خطابات طريقيّة لا نفسيّة، وأنّها مأمور بها بالمعنى الحرفي لا المعنى الاسمي، والأمر بها بالمعنى الحرفي كاشف عن الملاك فيها بالمعنى الحرفي لا الاسمي، ومرجع ذلك الى التحفّظ على الملاكات الواقعيّة، فهذا الخطاب طريقي وليس نفسيّاً، والخطابات الطريقيّة لا عقاب على مخالفتها بما هي، وإنّما يستحقّ العقاب على المجموع المركّب منهما، أي: على ترك التعلّم والاحتياط بقيد أن يكون مؤدّياً الى تفويت الواقع، وهذا الترك الخاصّ بما هو منظور إليه بعين الخطاب الطريقي ترك للحكم الواصل، فلا يأتي إشكال قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، وبما هو منظور إليه بعين الخطاب النفسي يكون نفسيّاً، فلا يأتي عليه إشكال: أنّ الخطاب الطريقي لا يعاقب عليه.

أقول: يرد على هذا الكلام:

أوّلاً: أنّه إنّما ينسجم مع مبنى المحقّق الاصفهاني (قدس سره) القائل بجريان قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) حتّى قبل الفحص، وأمّا على مبنى المشهور ومنهم المحقّق النائيني (رحمه الله) نفسه من عدم جريان قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) قبل الفحص، فقوله: «إنّ العقاب على الواقع في نفسه غير صحيح؛ لعدم تماميّة البيان» لا مجال له، وكأنّه خَلَطَ بين الاحتياط في الشبهة بعد الفحص وما هو محل الكلام من الشبهة قبل الفحص.

وهذا الكلام إنّما يكون له مجال في فرض وجوب الاحتياط بعد الفحص، فعندئذ يقال مثلاً: إنّ العقاب ليس على الواقع بما هو لقبح العقاب عليه.

وأمّا قبل الفحص فهم يقولون بعدم جريان البراءة العقليّة إمّا بدعوى: أنّ نفس احتمال الواقع قبل الفحص يكون بياناً في نظر العقل ومنجِّزاً، وإمّا بدعوى: أنّ البيان


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 99، وأجود التقريرات: ج 2، ص 329 - 331.