المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

465

الحال في سائر الاُصول الاُخرى كأصالة التخيير في موارد دوران الأمر بين المحذورين، وأصالة الطهارة في الشبهات الحكميّة، والاستصحاب النافي للتكليف في الشبهات الحكميّة:

أمّا أصالة التخيير فلأنّها أصل عقلي محض يرجع فيه الى حكم العقل، والعقل يستقلّ بالتخيير في موارد دوران الأمر بين المحذورين بملاك العجز وعدم القدرة، فإنّ الامتثال القطعي مستحيل التحقّق، والامتثال الاحتمالي مستحيل الانتفاء، وقبل الفحص يحتمل القدرة، وذلك بأن يفحص فيتعيّن التكليف فيعمل به، واحتمال القدرة منجّز، واحتمال العجز ليس مؤمّناً.

ونفس هذا البيان يأتي ـ أيضاً ـ في موارد دوران الأمر بين المحذورين في الشبهة الموضوعيّة، فلا يقاس مورد دوران الأمر في الشبهة الموضوعيّة بين المحذورين بمورد الشكّ البدوي في الشبهة الموضوعيّة، ولو سلّمنا جريان البراءة في الشبهة الموضوعيّة قبل الفحص، فإنّ العلم الإجمالي من حيث كونه بياناً وانكشافاً تام لا قصور فيه، وإنّما القصور فقط في قدرة المكلّف، والشكّ في القدرة مورد للاشتغال والاحتياط، فلا بدّ من الفحص(1).

وأمّا أصالة الطهارة والاستصحاب النافي في الشبهات الحكميّة فنحسب حسابهما على ضوء الوجوه التسعة الماضية لوجوب الفحص؛ لنرى أنّ أيّاً منها، يأتي هنا وأيّاً منها لا يأتي، فنقول:

الوجه الأوّل: دعوى تقييد إطلاق دليل البراءة بالارتكاز، وهذا الوجه لا يجري في المقام؛ لأنّ هذا الوجه موقوف على أن يجيء الدليل متضمّناً لكبرى لها مماثل مركوز في الأذهان العقلائيّة، فينعقد لهذا الدليل ظهور ثانوي سياقي بحسب الفهم العرفي في أنّه إمضائي لا تأسيسي، فيتبع الممضى سعة وضيقاً، وهذا المطلب إنّما يتمّ في البراءة لوجود البراءة العقلائيّة، وأمّا أصالة الطهارة والاستصحاب فليسا


(1) لا يخفى: أنّ الشكّ في القدرة هنا ليس شكّاً في القدرة على موافقة الحكم الواقعي حتّى يدّعى أنّه يؤدّي الى الشكّ في التكليف، وبالتالي يؤدي إلى البراءة؛ لأنّ القدرة دخيلة في التكليف، أو يُدّعى أنّ احتمال دخل القدرة في الملاك وفي المحبوبيّة يؤدّي بنا الى إجراء البراءة؛ لأنّنا لم نحرز لا التكليف ولا الملاك ولا المحبوبيّة، وإنّما هو شكّ في القدرة على الموافقة القطعيّة بعد القطع بثبوت الواقع للقدرة عليه، ومن المعلوم استقلال العقل في ذلك بالاحتياط بعد فرض عدم الاُصول المؤمّنة الاُخرى.