المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

458

فقد تحصّل أنّ شيئاً من وجوه لزوم الفحص لا يتمّ في المقام إلّا الوجه الأوّل والسابع، وهما لا يقتضيان أكثر من الفحص الى درجة يقف المكلّف موقفاً يُحتمل عادة وصول التكليف إليه، هذا كلّه إذا بقينا نحن والأدلّة العامّة للبراءة الشرعيّة.

 

أخبار عدم وجوب الفحص

ولكن هناك روايات خاصّة صريحة في عدم وجوب الفحص حتّى بهذه المرتبة، فإمّا أن نعمل بها في خصوص موردها، وإمّا أن نتعدّى منها الى غير موردها ـ أيضاً ـ في سائر الشبهات الموضوعيّة حسب ذوق الفقيه:

منها: صحيحة زرارة الثانية في باب الاستصحاب: «فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ فقال: لا، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»(1).

فهذه تدلّ على الإعفاء حتّى لهذه المرتبة من الفحص، وهي النظر، وهذا من أوضح مصاديق غمض العين والتهرّب من وصول التكليف.

ومنها: ما ورد ـ أيضاً ـ في باب الطهارة والنجاسة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول: «ما اُبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم»(2) فقوله: (ما اُبالي) واضح عرفاً في أنّه لا يتصدّى لأيّ مرتبة من مراتب الفحص.

ومنها: رواية عبد اللّه بن سليمان في الجبن قال: «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة»(3).

فهذه العبارة لا يبعد ـ أيضاً ـ أن يكون لها ظهور في أنّه إن جاءك شاهدان وأنت في مكانك بلا حاجة الى أن تفحص أنت، فحينئذ يحكم بالحرمة والنجاسة، وما لم يصل إليك الواقع لم يكن عليك شيء في ترك الاجتناب، إلّا أنّ هذا ـ أيضاً ـ وارد في خصوص الميتة، فلا يشمل المائع المشكوك خمريّته مثلاً.

إذن فعلى أساس هذه الروايات نفتي بعدم وجوب الفحص في الشبهات


(1) الوسائل: ج 2، ب 37 من النجاسات، ح 1، ص 1053 بحسب الطبعة المشتملة على عشرين جزءاً.

(2) الوسائل: ج 2، ب 37 من النجاسات، ح 5، ص 1054 بحسب الطبعة السابقة.

(3) الوسائل: ج 17، ب 61 من الأطعمة المباحة، ح 2، ص 91 بحسب الطبعة السابقة.